بسم الله الرحمن الرحيم




همسات
واجب الدولة توفير فرص العمل وتنظيمه حسب الأحكام الشرعية


في ظل غياب الدولة التي ترعى شؤون الناس حسب أحكام الإسلام ، لا عجب أن تستمر وزارة الأوقاف في نهجها عند تناولها لمواضيع خطبها التي تفرضها على الأئمة أن تتناول الصفات الحميدة والأخلاق الفردية وتتناسى وتغض الطرف عن واجب الحاكم والدولة ودورها في الرعاية الحقيقية للناس ومنها العمل وأحكامه الشرعية وتوفير فرصه من باب فرضية توفير الحاجات الأساسية لكل فرد بعينه والحاجات الضرورية الأخرى لجماعة الناس، وبناء على ذلك لنا مع هذه الخطبة وعنوانها " الإسلام يحث على العمل والريادة " ليوم الجمعة 26/ 4/ 2019 هذه الوقفات:


اولا: إن أفضل الأعمال هو عمل الأنبياء وهو الدعوة إلى العبودية لله والاحتكام لشرع الله وعمل الصالحات التي حددها الشرع قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، فمن أفضل الأعمال الصالحة هي التلبس بعمل الأنبياء ونشر رسالة الإسلام للناس كافة وهي الأمانة التي كلفنا بها، أمة وأفراداً ودولة، وخصوصاً بعد غياب الدولة الإسلام ية والتي من أهم أعمالها تطبيق الإسلام في الداخل وحمل الإسلام للناس بالدعوة والجهاد.


ثانياً: ومن أهم الأعمال في الإسلام العمل السياسي لان السياسة في الإسلام هي رعاية شؤون الناس بالإسلام ، والإسلام هو أعظم شريعة لرعاية شؤون الناس، وهو وحده الحق والعدل لأنه من عند الله، وكل ما عداه فهو باطل وطاغوت. والإسلام هو من عند الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما يُصلِحه ويَصلُح له وما يفسده ويضرّه. قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) . وقال: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . وقال: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) .

 

ثالثاً: إن العمل للآخرين بأجرهو من أنواع العمل المشروع الذي يكون سبباً لتملك المال فقد أجاز الإسلام للفرد أن يستأجر أُجَراء، أي عمالاً يعملون له. قال تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا).
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: «قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثمّ غدر، ورجل باع حُراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره» . والإجارة هي تمليك من الأجير للمستأجر منفعة، وتمليك من المستأجر للأجير مالاً، فهي عقد على المنفعة بعوض.


ولقد حث الإسلام على العمل وبين فضله ومن الأدلة على هذا الأمر قوله تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ) وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) البخاري، وبين الرسول عليه الصلاة والسلام بأن الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا يعملون بأيديهم فمنهم من رعى الغنم ومنهم من عمل بالحدادة والخياطة والنجارة وغيرها من المهن التي تكفي الإنسان سؤال الناس فيعطوه او يمسكوا.


رابعاً: وهذا التسخير من الله للعباد لم يجعله مُشْرَعَ الأبواب دون ضوابط وأحكام بل جعل للإجارة أحكاما تبين حقوق وواجبات الأجير والمستأجر، حتى لا يَحِيْفَ بعضُهم على بعضٍ فينتشرَ الظلمُ ويعم الاستعباد....

فجاءت النصوص قرآنيةً أو نبويةً تحذر من مخالفة أحكام الله ومن لا ينزجر بالتحذير يرغم على الخضوع للشرع كرها بحكم من القضاء وقوة السلطان، السلطان الذي لا نرى له اليوم أثرا ولا ظلا، لأن أحكام الإسلام غائبة عنا، والناس في هذا الهرج بين اثنين: مستغلٍ غياب سلطان الإسلام ينشر الظلم والرعب بين الناس، ومنتظرٍ للفرج المبين والفتح العظيم....لكن من عمل لإعادة سلطان الإسلام والقضاء على الظلم والطغيان هو الذي سيفوز فوزا عظيما.


خامساً: إن من واجبات الدولة أن توفر سبل العيش الكريم لأفراد الرعية فتُأمِن الحاجات الأساسية التي لاغنى للناس عنها من مأكل ومشرب وتطبيب وتعليم ومسكن، وما هو حاجة أساسية هوفرص العمل للناس فالدولة مسؤولة أمام الناس وأمام الله عن رعيتها، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،..)الحديث متفق عليه،

وقد كان رسولنا الكريم قدوة حسنة في تطبيق هذا الأمر فعن عن أنس بن مالكرضي الله عنه قال: ( أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله ، فقال له : ما في بيتك شيء ؟ قال : بلى ، حلس يلبس بعضه ، ويبسط بعضه ، وقعب يشرب فيه الماء ، قال : آتني بهما ، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : من يشتري هذين ؟ فقال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، قال : من يزيد على درهم ؟ مرتين أو ثلاثا ، فقال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه ، وأخذ الدرهمين ، فأعطاهما الأنصاري ، وقال : اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوما ، فأتني به ، فأتاه به ، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ، ثم قال له : اذهب فاحتطب ، وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوما ، فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاء ، وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشتري ببعضها ثوبا ، وببعضها طعاما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة ، لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع ). فدله النبي صلى الله عليه وسلم و وفَّر له العمل حتى يكفَّ يده عن سؤال الناس لما رأى منه القدرة والقوة على العمل.


إن من أوجب الواجبات على الدولة أن توفر فرص العمل لأفراد الرعية فلا تبيع ثروات الأمة التي توفر دخلا للأمة تستطيع من خلالها إنشاء المشاريع وتنمية البلاد والعباد، ولاتفرض الدولة على الناس الضرائب وتمعن في جباية أموالهم وترهق كاهلهم وتفتح البلاد للمؤسسات الربوية التى ترهق البشر وتمعن في إفقار الأمة وإذلالها كما هو واقعنا اليوم ولا تعقد اتفاقيات الذل التي تبيحلأعداء الامة نهب مواردها سواءً الماء والأراضي الزراعية بالإضافة للثروات المعدنية والنفط والغاز الذي تعود لتشتريه بأموال المسلمين.


وأخيرا: من واجب الأمة أن تحاسب حكامها على تقصيرهم في رعاية شؤونهم وأن تقف سدا منيعا تجاه ما يحاك ضدها بتبديد ثرواتها وجعلها رهينة للكافر المستعمر فتنجوا الأمة وتنجوا البلاد من ربقة الإستعمار الإقتصادي والسياسي وتعود أمة تمتلك قرارها وتنشر العدل والرحمة للبشرية جمعاء ولايكون ذلك إلا بعودتها لاستئناف الحياة الإسلام ية في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة تنظم شؤون حياتها وفق منهج الله وتعيد للأمة ثرواتها وعزها وتحقق الإستخلاف الحقيقي الذي يريده رب العالمين في الأرض وفالدولة هي الراعية وهي التي تسهر لخدمة الأمة ففي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ؛ مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَىَّ وَعَلَيّ) . رواه مسلم، فهذا رسولنا الكريم بوصفه حاكما يرعى شؤون أمته يبين مهام الحاكم وعلى هذا سار الخلفاء.
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55).

 

والحمد لله رب العالمين


 

     
20 من شـعبان 1440
الموافق  2019/04/25م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/