بسم الله الرحمن الرحيم




توحيد بدء الصوم بيوم واحد وتوحيد بدء العيد بيوم واحد لجميع المسلمين في جميع بقاع العالم فرض فرضه الله عليهم وهو مظهر من مظاهر وحدتهم

 

مجلة الوعي العدد 24 - السنة الثانية – العدد الثاني عشر – رمضان 1409هـ، الموافق نيسان 1989م

 

 

إن الله تعالى عين يوم الصوم وعين يوم العيد تعييناً واضحاً محدداً بالنصوص الشرعية. فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غُمَّ عليكم فادروا له» وروى مسلم أن رسول الله ذكر رمضان فضرب بيديه فقال: «الشهر هكذا وهكذا ثم عقد إبهامه في الثالثة فصوما لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين» وروى البخاري أن رسول الله قال: «الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا. حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» وفي رواية مسلم: «إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له». وروى مسلم أن رسول الله قال: «الشهر تسع وعشرون فإذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا فإن غم عليكم فاقدروا له».

هذه الأحاديث صريحة واضحة وفيها يأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالصوم حال رؤية هلال رمضان، ويأمر بالإفطار حال رؤية هلال شوال، وهذه الأوامر هي للوجوب ومخالفتها إثم كإثم ترك الفرض وكإثم فعل الحرام.

 

إن الأمر بالصوم وبالفطر جاء عاماً «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه»، «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» فهو يشمل جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض. وكلمة الرؤية جاءت بلفظ عام «لرؤيته»، «حتى تروا» «إذا رأيتم» وهذا يجعلها تشمل أية رؤية، وليست خاصة برؤية الشخص نفسه ولا برؤية أهل بلده. فالخطاب الذي يأمر بالصوم أو بالفطر عام، ومتعلَّق الخطاب وهو الرؤية عام أيضاً، فلا شك أن الحكم يكون حينئذ عاماً. وعلى ذلك فإن الأمر بالصوم والأمر بالفطر لرؤية الهلال هو أمر لجميع المسلمين في جميع بقاع الأرض إذا حصلت رؤية الهلال في بلد من بلدان العالم. فلو رؤي الهلال في الرباط في المغرب ليلة الجمعة ولم ير في جاكرتا في أندونيسيا ليلة الجمعة بل رؤي ليلة السبت فإنه يجب على أهل أندونيسيا العمل بما رآه أهل المغرب فليزمهم أن يصوموا يوم الجمعة إن كان الهلال هلال رمضان، وإذا كانوا قد أفطروه وجب عليه إعادته لأنه ثبت القيام بفرض الصيام عليهم بمجرد وجود رؤية الهلال من أي مسلم في أية بقعة من بقاع الأرض. وكذلك إن كان الهلال هلال شوال وجب عليهم أن يفطروا حالاً بمجرد علمهم بحصول الرؤية ولو لم يروه هم، لأن مجرد ثبوت حصول الرؤية قد أوجب عليهم الفطر وحرم عليهم الصوم. وعلى ذلك فإن الحكم الشرعي هو أنه إذا رأى الهلال أهل بلد فقد رآه المسلمون جميعاً فليزمهم جميعاً الصوم إن كان هلال رمضان، ويلزمهم جميعاً الفطر إن كان هلال شوال. هذا هو حكم الله حسب دلالة النصوص الشرعية. وقد كان المسلمون على عهد رسول الله يصومون ويفطرون في يوم واحد رغم اختلاف مناطقهم، وهذا دليل شرعي آخر على أن رؤية الهلال في بلد توجب على جميع المسلمين أن يصوموا معاً أو أن يفطروا معاً في يوم واحد.

 

أما شبهة الذين يقولون باختلاف بدء الصوم وباختلاف بدء الفطر، أي يوم العيد فإنها تتخلص في أمرين: أحدهما أنهم يقولون إن لكل أهل بلد رؤيتهم لأن كل قوم مخاطبون بما عندهم كما في أوقات الصلاة، ومن هنا قالوا: العبر بالمطالع. ولجواب على ذك هو أن أوقات الصلاة مقيدة بدخول الوقت وهي متفاوتة في القطر الواحد لأن العلامات التي عينها الشرع لدخول وقت الصلاة تكون متفاوتة في الحصول. وبالنسبة للصوم فإن هذا التفاوت حاصل أيضاً عند الإمساك قبيل الفجر وعند الإفطار بعيد الغروب، لأن النص هنا جاء يدل على هذا التفاوت وهو قوله تعالى: ]وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ[. فالإمساك والإفطار تتفاوت أوقاتهما من مكان إلى آخر كما تتفاوت أوقات الصلاة، وهذا التفاوت يحصل ضمن اليوم الواحد. أما بدء شهر الصوم فلا بد أن يبدأ في يوم واحد في جميع بقاع العالم والتفاوت يحصل في أجزاء هذا اليوم. هذا ما دلت عليه نصوص الأحاديث بشكل واضح، وهذا ما يثبته فهم مناط الحكم.

 

مواقيت الصلاة ومواقيت الإمساك والإفطار مربوطة بحركة الشمس. وأما بدء شهر رمضان أو بدء شهر شوال أي شهر قمري فهو مربوط بولادة الهلال، وولادةُ الهلال تكن في لحظة واحدة بالنسبة لجميع الواقع على سطح الكرة الأرضية، وتحصل هذه اللحظة عندما يكون القمر واقعاً بين الأرض والشمس. وحين يحصل كسوف للشمس فهو يحصل في هذه اللحظة. وبمجرد أن تتجاوز الشمسُ القمر يكون الهلال قد ولد. ويمكن أن يولد فوق أندونيسيا أو المغرب أو أميركا أو غيرها. وبعد ولادة الهلال ببضع ساعات تمكن مشاهدته في المناطق التي لا يوجد فيها غيوم. فإذا ولد فوق أندونيسيا فلا يتمكن أهل أندونيسيا من رؤيته لأنه يكون ما زال صغيراً وقريباً من الشمس التي تمنع رؤيته، ولكن يمكن لأهل المغرب وغيرهم أن يره لأنه يكون قد كبر وبَعُدَ عن الشمس. وهذه الرؤية من أهل المغرب مثلاً، تُلزم أهل أندونيسيا، ولا يجوز لهمت أن ينتظروا دون صوم حتى روه هم في الليلة التالية.

 

والمجتهدون القدماء معذورون في عدم فهمهم للمناط لأنهم لم يكونوا يدركون بشكل صحيح حركة الأرض والشمس والهلال. أما الآن وبعد فهم مناط الحكم فلم يبق مبرر لمن يقول باختلاف المطالع بمقدار يوم فضلاً عمّن يقول باختلافها عدة أيام.

 

على أن جمهور الأئمة لا عبرة عندهم باختلاف المطالع. جاء في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) ج1/ص550: (إذا ثبتت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقاً، عند ثلاثة من الأئمة وخالف الشافعية) أ.هـ: على أن الشافعية انقسموا أيضاً كما ذكر النووي في شرح مسلم ج7/ص197: (وقال بعض أصحابنا:نعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض).

 

إذن فإن شهر الصوم يبدأ عند الأمة الإسلامية في يوم واحد في جميع بقاع العالم، وانتهاء شهر الصوم أي بدء العيد يحصل في يوم واحد عند الأمة الإسلامية في جميع بقاع العالم.

 

أما الشبهة الثانية للذين يقولون باختلاف بدء الصوم وباختلاف بدء الفطر فهي ما رواه مسلم: «عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستُهِلَّ عليّ رمضانُ وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله ». فيتخذ من يقولون باختلاف بدء الصوم واختلاف بدء افطر هذا الحديث حجة على قولهم هذا، ووجه احتجاجهم به هو أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام، وقال في آخر الحديث: «هكذا أمرنا رسول الله »، فدل ذلك على أنه قد حفظ من رسول الله أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية بلد آخر فيكون هذا الحديث مخصصاً لحديث الرؤية ومبيناً له، ومن هنا قالوا أن كل أهل بلد مخاطبون برؤية الهلال من بلدهم لا في بلد غيرهم، وقالوا بأن بدء الصيام وبدء الفطر يختلف باختلاف البلدان وباختلاف المطالع. والجواب على هذا هو أن هذا الحديث ليس حديثاً لرسول الله ، وإنما هو اجتهاد صحابي، واجتهاد الصحابي ليس دليلاً شرعياً، فليس حجة. فكون ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام هو اجتهاد له فلا يصلح دليلاً شرعيا. على أن الاجتهاد ينقض ويرد بالدليل الشرعية العام فيترك الاجتهاد ويؤخذ الحديث. وفوق ذلك فإن اجتهاد الصحابي لا يجوز أن يخصص عموم الحديث. وأما قول ابن عباس في آخر الحديث «هكذا أمرنا رسول الله » فإنه ليس حديثاً بل هو فهم فهمه ابن عباس من قوله عليه السلام: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» فهو يشير إلى أنه هكذا فهم أمر رسول الله . فهو لم يقل: هكذا رويناه عن رسول الله، أو هكذا حفظنا، أو هكذا قول رسول الله، أو ما شاكل ذلك، بل قال: هكذا أمرنا رسول الله. وقد بيّن الإمام الشوكاني هذا الحديث على هذا النحو فقال في نيل الأوطار ما نصه: (واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله. هكذا أمرنا رسول الله هو قوله: فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين والأمر الكائن من رسول الله هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين» وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الأفراد بل هو خطاب لكل من يصح له من المسلمين) أ.هـ.وبذلك تنتفي عما رواه كريب صفة الحديث، ويظل كما هو رأيا لابن عباس. وهو ليس بدليل، فلا يحتج به، ولا يصلح لتخصيص الدليل العام. وبذلك تنفي هذه الشبهة ويسقط الاستدلال بها. وإذا سقطت هاتان الشبهتان فإنه لا تبقى هناك أية شبهة غيرهما. ويبقى الاستدلال بالنصوص على وجهه الحقيقي وهو أنه وجب عليكم أيها المسلمون جميعاً أن تصوموا في جميع أقطار الأرض بمجرد أن تثبت رؤية الهلال في أية بقعة من بقاع الأرض كما هو صريح قوله عليه السلام: «صوموا لرؤيته».ووجب عليكم أيها المسلمون جميعاً أن تفطروا في جميع أقطار الأرض بمجرد أن تثبت رؤية الهلال في أية بقعة من بقاع الأرض وتجعلوا ذلك اليوم يوم عيدكم كما هو صريح قوله عليه السلام: «وافطروا لرؤيته».

 

ولا بد من لفت إلى أن الحسابات الفلكية التي يتقرر بموجبها مسبقاً متى سيبدأ شهر رمضان ومتى سينتهي شهر رمضان لا تغني عن الرؤية. فالنص جاء يذكر الرؤية، ولا بأس باستخدام الحسابات كقرينة تساعد على معرفة الوقت المناسب لمراقبة الهلال. أما الحكومات التي تعتمد الحسابات بدل الرؤية فإن عملها يخالف النص الصريح، ومن ثم فإن عملها غير شرعي ولا يجوز للمسلمين أن يركنوا إلى إعلانها.

 

أيها المسلمون: حين تسمعون أن بلداً إسلامياً، أي بلد إسلامي، بعيداً كان أو قريباً، يعلن أنه ثبت لديه بالوجه الشرعي رؤية هلال رمضان، عليكم أن تبادروا بالصوم، ولا يجوز لكم أن تنتظروا الحاكم أو المفتي في بلدكم ليأذن لكم بالصوم، وحين تسمعون أن بلداً إسلامياً، أي بلد إسلامي، بعيداً كان أو قريباً يعلن أنه ثبت لديه بالوجه الشرعي رؤية هلال شوال، عليكم أن تبادروا بالفطر وأن تعيّدوا، ولا يجوز لكم أن تنتظروا الحاكم أو المفتي في بلدكم ليأذن لكم بالعيد. فأنتم تصومون وتفطرون بأمر الله ورسوله لا بأمر هؤلاء الحكام الكفرة الفسقة، ولا بأمر هؤلاء المفتين الذين يحرصون على إرضاء الحكام أكثر من حرصهم على إرضاء الله تعالى.

 

 

مجلة الوعي

     
29 من شـعبان 1440
الموافق  2019/05/05م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/