بسم الله الرحمن الرحيم




 

همسات

 

رمضان شهر القرآن... فرصة للتقرب إلى الله

 

بأجل الفروض وأعظم الواجبات

 

 

قررت وزارة الأوقاف في الأردن أن يكون عنوان خطبة الجمعة الموحدة (شهر رمضان المبارك وافد كريم) الموافق 5 رمضان 1440هـ الموافق 10/5/2019م، وسيكون لنا وقفات مع هذه الخطبة.

 

لقد جعل الله سبحانه وتعالى التقوى أهم وأبرز نتائج صوم شهر رمضان؛ فقد قال الله تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ وإننا إذا أردنا أن نحسن رفادة ضيفنا رمضان، فعلينا أن نحقق ما فرض من أجله، فالتقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقَناعة بالقليل، والاستِعداد للرحيل، كما عرفها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.

 

والتقوى "ليست بقيام الليل أو بصيام النهار فحسب، ولكن تقوى الله ترك ما حرَّم الله، وأداء ما افتَرَض الله". كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله، ففي الوقت الذي يقبل فيه المسلمون على قراءة القرآن والإكثار من تلاوته وختمه مرارا فإن الواجب أن نذكر المسلمين ان القران إنما نزل ليحكم بين الناس وليس لمجرد القراءة على ما فيها من أجر عظيم وثواب كبير، فلقد أنزلَ الله تعالى القرآنَ على رسوله الكريم ليعلّمه لأصحابِه وللمسلمين، وليكون منهاجاً لحياتهم في كافة شؤونهم  يطبّقون أوامره ويتجنبون نواهيه، فالعمل بالقرآن في كيان سياسي أي دولة إسلامية تطبقه هو حقيقة الإسلام  لقوله تعالى:{ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا }

 

وقال الله تعالى : ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾، فالإستقامة على أوامر الله سواء بالفعل و الإمتناع، بفعل الفرض، والإمتناع عن الحرام، هي عين التقوى وهي عين الإستقامة، لكن كيف يمكن للإستقامة أن تكون إن لم يعلم المسلمون الأمر، فاستقم كما أمرت، فالأمر أولا ثم يتبعه الإتباع بالفعل.

 

فالإسلام نظام ومنهاج حياة، فلا بد للمسلمين أن يتعلموا أحكامه في كافة مناحي الحياة كمنهاج ونظاما ينظم شؤونهم، حتى يتبعوا أحكامه ويسيروا في حياتهم وفق أوامر الله، ولا بد للدولة أن تجعل في سلم أولوياتها شرح أحكام الإسلام، وتطبيقها، فمن أحكام الإسلام ما هو مناط بالفرد كالعبادات، ومنها ما هو مناط بالدولة كتوزيع الثروات ورعاية الناس وتطبيق العقوبات، لكن ما نجده اليوم أن الدول تعمل جاهدة على تجهيل المسلمين بأحكام دينهم في حياتهم كاملة وقصر الإسلام في علاقة العبد مع ربه فقط، وكأن الإسلام دين كهنوتي لا نظام له ولا تشريع ينظم شؤون الناس!. فكيف يحقق المسلم التقوى إن صلى وصام وهو يتعامل مع الربا، المشرعة الأبواب له؟.

 

أيها المسلمون

 

إن مقياس الإلتزام بأوامر الله هو مقياس مقدار تقوى العبد لربه، وإن العبودية تكمن في الطاعة لله، فمن جعل سلوكه مبني على هوى أو قانون يخالف حكم الله وأمره فهو قد سير نفسه عبدا لما أطاعه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ لم يرضَ"، فكيف يكون العبد عبدا للدينار والدرهم، هل بسجوده له، أم بجعل ما يكسبه الدينار فوق أوامر الله إن تعارض معها؟

 

وقد يخطىء المسلم بمخالفة أمر الله، فيكون خطأه خطأ بالسلوك، وجعل الشارع لمن يخطىء الكفارات والعقوبات والإستغفار والتوبة كل حسب الخطأ المرتكب، لكن الخطأ الناتج عن خلل في الفهم هو أخطر وحاربه الإسلام بلا هوادة، فمن يشرب الخمر فهو مخطئ بسلوكه، لكن من جعل شرب الخمر حرية شخصية فهو خلل بالمفهوم وهو أشد خطراً على المسلم، ولذلك نجد هذه الأيام دعوات مشبوهة كثيرة تحاول العبث بمفاهيم المسلمين في الحياة حتى تخرجهم عن جادة الصواب.

 

أيها المسلمون

 

إن شهر رمضان فرصة لا بد للأمة من اغتنامها على خير وجه، فرصة لتنشغل به بقضاياها المصيرية لا لتنشغل عنها بغيرها، فرصة لتتقرب فيه إلى العلي القدير بأجل الفروض وأعظم الواجبات، وهو بلا منازع في زماننا فرض العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لأنه بها وحدها يقام الإسلام وتطبق جميع أحكامه، وبها وحدها يجمع الله شمل الأمة من بعد شتاتها، وبها وحدها يُحمل الإسلام رسالة خير وهدى للبشرية جمعاء.


لقد جعل الله هذا الشهر الكريم له سبحانه خاصة يجزي فيه من يشاء بغير حساب «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» كما قال صلوات الله وسلامه عليه في حديثه القدسي المتفق عليه. إنه شهر مشهود له في تاريخ الإسلام، فيه أُنزل القرآن الكريم ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، وفيه كان المسلمون يتنافسون بالخيرات حيث تُضاعف الأجور والحسنات ويرجون من الله مغفرة الذنوب بصدق صيامهم وإخلاصهم، جاء في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»...

 

وكان خليفتهم وولاتهم يحفظون أمن البلاد والعباد، ويحملون الإسلام للعالم بالدعوة والجهاد. كان خليفة المسلمين يحكمهم بشرع الله، ويجاهد بهم في سبيل الله، فتجوب جيوشهم فيافيَ القفار وتخوض مراكبُهم عبابَ البحار لإعلاء كلمة الله ونشر العدل في ربوع العالم. تخاطبُ جيوشهم مياه المحيط: لو كنا نعلم بلاداً خلفكَ لخضناك لرفع راية الإسلام، وينادي خليفتُهم السحاب: أنزل ماءك حيث شئت فهو بإذن الله ساقٍ بلادَ المسلمين. والمسلمون من خلف خليفتهم، يشدّون على يديه إذا أحسن ويحاسبونه إن أساء، وهو وهُم أمام شرع الله سواء. والأمة والدولة والمجتمع يحركها الإسلام وتتحرك به. تستقبل رمضان بوجوه مسفرة ضاحكة مستبشرة، وتودِّعه محزونةً لفراقه، مشتاقة للقائه لتشهد معه وبه الخير، فتفوزَ في الدارين وذلك الفوز العظيم.

 

والحمد لله رب العالمين

 

     
04 من رمــضان 1440
الموافق  2019/05/09م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/