بسم الله الرحمن الرحيم




التّجربة الإسلامية" .. مصطلحٌ خطيرٌ يُراد به ضرب الإسلام

مصطلحٌ رُوِّج له مؤخراً بشدّة، وازداد ذكره، وتناقلته قنوات إخبارية، ومراكز دراسات، ومحللون سياسيون، ومفكرون أيضاً.. حتّى أنّ ممن يسمون بـ "الإسلاميين" أنفسهم من تحدثوا به في مشاريعهم ومراجعاتهم.

فكان لا بُدَّ لنا من وقفات معه والتحقق منه والتدقيق فيه لنصل إلى عدّة خُلاصات مهمّة، ولمعرفة الموقف الصحيح تجاهه، وبالتالي واجبنا نحوه، وأخيراً العمل الصحيح والشرعي المطلوب منا أداؤه.

ومن أمثلة هذه التجارب التي تُطرح:

التّجربة المصرية والتي كانت متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين، من خلال مشاركاتهم في البرلمانات والحكومات إلى أن وصلوا إلى سدة الحكم في مصرعن طريق ما يسمى بالانتخابات الديمقراطية، قبل أن يحدث الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي - رحمه الله- .

والتّجربة التركية، المتمثلة بأردوغان وحزبه جزب العدالة والتنمية.

والتّجربة السودانية والتي كانت منذ ما يقارب ثلاثين سنة، حين حدث الانقلاب الذي قاده الرئيس السابق البشير إلى أن قامت الثورة المستمرة إلى الآن.

وكذلك التّجربة الإيرانية، ولا ننسى التّجربة التونسية (حزب النهضة) ... وغيرهم.

وهذه التجارب لم تكن منحصرة فقط في الجانب السياسي، فقد تتضمن أيضاً تجارب في العمل المادّي؛ أي المُسلَّح، كما في تجربة طالبان، والفصائل المقاتلة في سوريا ... وغيرهم أيضاً.

لكننا هنا لسنا في معرض التَّعرُّض لتفاصيلِ كلِّ واحدةٍ منها، وإنما نعمل لإرساء قواعد عامة حول هذا المصطلح وما بُنيَ عليه، وما نتج عنه:

 

 

أولاً: بدايةً.. كلمة التّجربة تعني في المنهج العلمي في حالة ما يسمى بالعلوم الاجتماعية: مجموعة من عمليات الرصد والمراقبة والاختبار، لدعم أو تكذيب الحالة الاجتماعية المراد تجربتها في ظروفٍ مختلفة.

وبناءً على هذا، فهي محتملة للصَّواب والخطأ، للفشل و النَّجاح. وفي حالة إضافة هذه الكلمة للإسلام لتصبح (التَّجربة الإسلامية) فكأننا نقول أن هذه التجارب المبنية على الإسلام قابلةٌ للنَّجاح والفشل، والفيصل هنا في الحكم على النتيجة هو الواقع ومخرجاته فقط.

 

وبناء على هذه النقطة من الخطورة بمكان التسليم لهذا المصطلح فهو يُناقض واقع الإسلام، وأحكامه وطريقته في استنباط الأحكام، وهُويّته. فواقع الإسلام أنه دين موحى به من عند الله لا يحتمل إلا الصواب، فعقيدته قطعية مبنية على العقل.

 

وواقع أحكام الإسلام المنبثقة عن عقيدته بطريقة الاستنباط الصحيحة - وهي الاجتهاد- التي تستند في أدلتها على مصادر التشريع المعتبرة وهي الكتاب والسنة وما أرشدا إليه، أي أن التوصل إليها كأحكام قامت على أساس الاسلام وليس على أساس عقلي أو بشري وضعي، والتفاضل فيها يكون بقوة الدليل الشرعي، ولا يجوز الطعن فيها على أساس أنها معالجات وأحكام من رب العالمين.

 

هذا بالإضافة إلى أنّ أولى خطوات الاستنباط قائمة على المنهج العقليّ لا العلميّ؛ أي أنه يجب دراسة وفهم الواقع لمعرفة الحكم الشرعيّ الذي أُنيط بهذا الواقع من مصادره المعتبرة، فيكون الشرعُ هنا فاعلاً لا منفعلاً، ومُحدثاً للتغيير لا متغيّراً.

 

وواقع الهُويّة الإسلامية التي يجب على الأمة الإسلامية حملها هي التزامٌ بالإسلام كاملاً عقيدةً وشريعةً، التزاماً بهذا الوحي كما جاء، هذه الهُوية التي تختلف فيها أمة الإسلام عن باقي الأمم، وهي رمز تميزها وسبيل عزتها و سِرُّ نهضتها وفحوى رسالتها، هذه الهوية الموحى بها والتي تناقض ما أُلبس للإسلام من معنى التجربة إما بجهل ممن مارسوه أو بسوء نية.

 

فالأمم الأخرى والتي قامت على التجارب مرت بمخاضات كبيرة ودموية ومجازر وفترات طوال من عدم الاستقرار حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، وهي لم تصل مع ذلك إلى ما يطمئن القلب ويقره العقل!! أما الإسلام الذي أُنزل على رسول الله ﷺ ففي فترة وجيزة أُنشئت الدولة الإسلامية لأنها كانت قائمة على اتِّباع الوحي، ووجه المفارقة بينهما أن الإسلام منذ أول لحظة نزوله كان مبلوراً واضحاً في منهجه وطريقه المتّبعة، وأما التجارِب تدخل فيها الأهواء والآراء، يقول تعالى: ﴿ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون﴾

 

إذاً، المشكلة في إضافة كلمة التّجربة للإسلام، و ممارسة هذه " التجربة" عملياً ، فالإسلام ليس ديناً تجريبياً يؤخد منه ما وافق الواقع على أنه صواب، ويرفض منه ما خالفه على أنه خطأ، بل هو دينٌ بُنيت أحكامه على وحي من الله سبحانه قاعدة عقلية قطعية فكل ما يخرج عنها صحيح، وهو يخالف المبادئ الأخرى خلافاً جوهرياً، فهو المبدأ الوحيد الموحى به، أمّا غيره فهي مبادئ وضعيةٌ من قِبل العقل البشريّ.

 

 

ثانياً:أما بالنسبة لهذه التجارب المنسوبة للإسلام فواقعها هو أنها منها ما باء بالفشل وسقطت سقوطاً مدوّياً، ومنها ما انتهى إليه الأمر بالانسلاخ الكامل عن الإسلام مع الحفاظ على شعارات لا معنى لها من الناحية التطبيقية، ومنها ما هو في أصله لم يكن يوماً إسلامياً، أي أنه لم تكن غايته هي الوصول لتطبيق الشّرع أبداً، وإنما حُمّل هذا مع كونه لم ينادي به البتّة، وربما كان ذلك استجابة خادعة لمطالب القاعدة الشعبية.

 

لذلك مرة أخرى تسقط إضافة هذا المصطلح للإسلام لكونه لم يَسْرِ على طريقة الإسلام في الاستنباط، فكونها تجربة وصَحَّ عليها معنى التجربة، فهي قطعاً مخالفة للإسلام، وهذا يعني أن هذه التجارب لا تمت للإسلام بصلة من الناحية المنهجية، مهما رفعت من شعارات فضفاضة لتوحيَ بإسلاميتها، و بطبيعة الحال مستقبلها الفشل في إيصال الإسلام حقيقةً إلى الحكم، فتكون هي أمام أمرين، إما أن تقول بأنها فشلت في طريقتها وأن التجربة هي أصل الخطأ وأنها خالفت الإسلام وطريقته أو حتى أنها لم تُعر البحث الشرعيّ اهتماماً، وإما أن تنسلخ عن الإسلام وتقول بأن الخطأ فيه هو، وتستمر في ما هي عليه من الانسلاخ إلى أن تصل لنقيضه! فها هو أحد هؤلاء الحكام الذين لبسوا ثوب الاسلام زوراً يؤكد قبل أيام على ضرورة تحديث أحكام الإسلام، مشيرا إلى أنه لا يمكن تطبيق أحكام صدرت قبل قرون.

 

وبناء على هذه النقطة وما سبق، يتبين لنا أن التجربة هنا يجب أن تُنسب لمن قام بها لا للإسلام، ويجب إدراك أنها مخالفةٌ لمنهج الإسلام، وهذا يعني أن هذه التجارب هي غير إسلاميةّ أصلاً، وغير شرعيّة.

ومن ضروب الجهل أيضاً الظن بأن الإسلام يأتي عن طريق أنظمة تخالفه، بل أنها تمارس العداء له وتعمل على إقصائه وتحارب من يريد الحكم به، فمن المعلوم أن جميع الأنظمة القائمة تسير بخطٍ متوازٍ مع خطِّ سير الإسلام فلا لقاء بينهما أبد الدهر، فيجب علينا معرفة أن من قَبل بدخوله في هذه الأنظمة والسير وفق قواعدها والعمل على تطبيق دساتيرها فهو بطبيعة الحال أصبح جزءاً منها وتماهى معها في تجميل وجهها القبيح، ولو ادّعى غير هذا، فكيف يقول عاقل بأنَّ من كان جزءاً من نظام يخالف نظام الإسلام أنَّ مشاركته فيه تجربة إسلامية!

 

 

ثالثاً:والسؤال هنا، لِمَ نُسِّب هذا المصطلح للإسلام كما نُسِّب لغيره وما المراد منه؟

إن اعتبار مصطلح التَّجربة الإسلامية مع معاينته على أرض الواقع بالنظر إلى من حمله و حاول تطبيقه ووصل إلى الحكم ولم يُظهر التغيير المرجوّ من قبل الجماهير، ولا النهضة المتأمّلة، يجعل من الجماهير البسيطة وذات التفكير السطحي تحت مظنًة تظنُّ أنَّ الخطأ في ما أُضيف إليه المصطلح لا في ذاته - أي في الإسلام لا في المنهج التجريبي المخالف للإسلام- وهنا يُراد إحداث ردة فعل عند هذه الجماهير كي تفكر بالإعراض عن الإسلام، فكما ظهر مصطلح "الحداثة" ومن ثُمَّ مصطلح "ما بعد الحداثة" وهو مصطلح يعبر عن مرحلة جديدة في تاريخ الحضارة الغربية تتميز بالشعور بالإحباط من الحداثة ومحاولة نقد هذه المرحلة والبحث عن خيارات جديدة.. يُراد من جموع الأمة أن تُعرض عن المطالبة بالإسلام نتيجةً لفشل الحركات والأحزاب و الأفراد الذين وصلوا لسدةِّ الحكم، وهذا ما جعلهم يتباحثون أيضاً في عناوين تضرب الإسلام مثل "فشل الإسلام السياسي" وأيضاً "ما بعد الإسلاموية"، وغيرها من الأبحاث التي تُظهر وكأن الإسلام وُجد في عصرنا وُطبّق ولم ينجح مُمَثَّلاً بهؤلاء الذين قاموا بتجربته، ومن ثم انتهاء هذه المرحلة والبدء بمرحلة جديدة تُنحّي الإسلام عن طرحه كبديلٍ صحيحٍ للنَّهضة والبحث عن غيره بعد أن تمّت "تجربته" وتبيّن عدم نجاحه،

 

 

رابعاً:إذاً ما العمل المطلوب منا؟

إنَّ مما أدركه الغرب ذاته أنَّ هذه الأمة لا سبيل لنهضتها وعزَّتها ومن ثُمَّ قدرتها على دفع الاستعمار وأن تكون قوة حقيقية بمواجهته إلا بقيام نظامها الخاص فيها المبني على عقيدتها، أي وجود الإسلام فعلياً على أرض الواقع متمثّلا ب"الخلافة" والتي هي الكيان التنفيذيّ للإسلام، لذلك ما يمارسه الغرب من محاولة ضرب أفكار الإسلام في عقول المسلمين هو لإبعادهم عن هذه الغاية التي ما زالت الأمة تطالب بها وتنادي بتحكيم شرعها.

نحن أمام واقع شهدنا فيه بأم أعيننا الفشل الذريع لجميع هذه التجارب التي وصلت للبرلمانات، ومجالس التشريع، والتي منها ما حكم، ومنها ما زال يحكم.. في وصولهم إلى غاية الأمة وتحقيق نهضتها المرتبطة ارتباطاً حتمياً مع تطبيق الشريعة.

أما المطلوب منا، فهو لفظ جميع هذه المشاريع التي كانت الأنظمة الحالية سبيلها، والبحث عن المشروع الكامل لإقامة الإسلام، ولا بُدَّ لهذا المشروع من أن يكون من جنس الفكرة وناتجاً عنها، أي أن يكون شرعيّاً بجميع تفاصيله، ومن ثُمَّ العمل على تطبيقه أيضاً بطريقة من جنس الفكرة أي أن تكون لها أدلتها من الشرع.

 

 

والخلاصة:

إن إضافة لفظ "التجربة" إلى الإسلام لا يصح بتاتاً؛ للتناقض بين دلالة كلٍّ منهما.
‏إن طريقة إيصال الإسلام إلى الحكم هي أحكامٌ شرعيّةٌ لا تخضع للتجربة.
‏إن الحركات الإسلامية التي وصلت إلى سدة الحكم لم تحكم يوماً بالإسلام، ولم تقدم للأمة مشروعاً إسلامياً.
‏على الأمة أن تلتفّ حول الحزبٍ الذي إتخذ طريقة إيصال الإسلام إلى الحكم من جنس الفكرة الإسلامية، فتكون طريقته هي الطريقة الشرعية التي يُتوصَّل بها إلى ذلك الحكم الشرعي، أي إلى تطبيق الإسلام وإقامة الخلافة وتحقيق النهضة الصحيحة، ولا نجد حزباً يحقق هذه الشروط إلا حزب التحرير.

 

وأخيراً فإن أمر الخلافة أعظم من أن يشوه من صورتها أو يغير من واقعها تجربة هنا أو تجربة لأن أمر الخلافة ظاهر للعيان يعرفه المسلمون القاصي منهم والداني فهي دولة حقيقية، يشعر بوجودها الحقيقي عند قيامها كل المسلمون بل كل أهل الارض، وقد بيَّن الشرع طريقة قيامها وكيفية استنباط أحكامها في الحكم والسياسية والاقتصاد والعلاقات الدولية، وإن قيامها لا يكون خبراً تتندر به وسائل الإعلام المضللة، ولا تجارب تشوه صورتها محاولة من أعدائها لإنفضاض الامة عن مشروعها النهضوي الحقيقي، بل يكون بإذن الله زلزالاً مدوياً يقلب الموازين الدولية، ويغير وجه التاريخ ووجهته.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير/ ولاية الاردن

الاستاذ محمد أبو العسل


     
13 من شوال 1440
الموافق  2019/07/15م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/