بسم الله الرحمن الرحيم




نداءات القرآن للمؤمنين
الأمر بطاعة الله ورسوله

قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ). (الأنفال20) جَاءَ فِي تَفسِيرِ القُرطُبِيِّ: "الْخِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ. أَفْرَدَهُمْ بِالْخِطَابِ دُونَ الْمُنَافِقِينَ إِجْلَالًا لَهُمْ. جَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْأَمْرَ بِطَاعَةِ اللَّه وَالرَّسُول، وَنَهَاهُمْ عَنْ التَّوَلِّي عَنْهُ. هَذَا قَوْل الْجُمْهُور". وَقَالَتْ فِرْقَة: الْخِطَاب بِهَذِهِ الْآيَة إِنَّمَا هُوَ لِلْمُنَافِقِينَ. وَالْمَعْنَى: يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ فَقَطْ. قَالَ اِبْن عَطِيَّة: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا عَلَى بُعْد؛ فَهُوَ ضَعِيف جِدًّا; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ مَنْ خَاطَبَ فِي هَذِهِ الْآيَة بِالْإِيمَانِ. وَالْإِيمَان التَّصْدِيق، وَالْمُنَافِقُونَ لَا يَتَّصِفُونَ مِنْ التَّصْدِيق بِشَيْءٍ. وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا مَنْ قَالَ: إِنَّ الْخِطَاب لِبَنِي إِسْرَائِيل؛ فَإِنَّهُ أَجْنَبِيّ مِنْ الْآيَة. والتَّوَلِّي هُوَ الْإِعْرَاض. قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ)، وَلَمْ يَقُلْ: (وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُمَا)؛ لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ هِيَ طَاعَةٌ للهِ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاَللَّه وَرَسُوله أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ). (التَّوْبَة 62) اِبْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِع الْحَال. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) الْمَعْنَى: وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ الْحُجَج وَالْبَرَاهِين فِي الْقُرْآن.


وَالطَّاعَةُ تَعنِي الانقِيَادَ وَالـمُوَافَقَةَ؛ فَطَاعَةُ اللهِ تَعَالَى هِيَ الانقِيَادُ لِأَوامِرِهِ، وَالـمُوَافَقَةُ لِشَرْعِهِ؛ لِأَنَّهُ الأَحَقُّ بِذَلِكَ وَحْدَهُ؛ فَلَا رَبَّ غَيرُهُ، وَلَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الأَنفَالُ الأَمْرُ بِالطَّاعَةِ للهِ وَلِلرَّسُولِ وَبَيَانِ أَنها مِنْ شُرُوطِ الإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4).


أَمَّا هُنَا فِي هَذَا الـمَوضِعِ مِنَ السُّورَةِ نَفْسِهَا فَالأمْرُ بِالطَّاعَةِ مَقرُونٌ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّوَلِّي بَعْدَ الإِيمَانِ وَالإِجَابَةِ لِنِدَاءِ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ قَالَ تَعَالَى: (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا). وَمَنْ عَبَدَ اللهَ عَلَى غَيرِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ دِينُ الإِسلَامِ- فَلَنْ يُقْبَلَ مِنهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ). وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: (لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).


وَقَدَ قَال تَعَالَى فِيمَنْ عَبَدَ اللهَ عَلَى غَيرِ شَرِيعَةِ محمد صلى الله عليه وسلم: (عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً)، فَهَذَا العَامِلُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي العِبَادَةِ وَأَجْهَدَهَا، وَعِبَادَتُهُ لَنْ تُقْبَلَ، وَسَيَدْخُلُ النَّارَ؛ قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) النَّصَارَى، وَذكر عَنِ الحَافِظِ أَبُو بَكْرٍ البرقاني أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه مَرَّ بِدَارِ رَاهِبٍ، فَنَادَاهُ يَا رَاهِبُ، فَأَشْرَفَ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَنظُرُ إِلَيهِ وَيَبكِي .. فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَا يُبكِيكَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: "ذكَرْتُ قَولَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) فَذَاكَ الَّذِي أَبْكَانِي".

وَالـمَرءُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إِلَّا إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؛ وَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لَا تَنفَعُ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالعَمَلِ، قَالَ تَعَالَى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ). وَشَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، تَقْتَضِي التَّسْلِيمَ الـمُطْلَقَ وَالتَّامَّ لِمَا جَاءَ بِهِ أَوْ أَخْبَرَ عَنهُ، وَتَصدِيقَهُ وَطَاعَتَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَوْ نَهَى عَنهُ دُونَ حَرَجٍ أَوْ ضِيقٍ أَوْ مُنَاقَشَةٍ أَوْ جِدَالٍ أوْ تَعقِيبٍ، أَوْ أَخْذِ بَعْضٍ وَتَركِ بَعْضٍ، وَالاقتِدَاءَ بِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقتَضَيَاتِ الإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى.


وَطَاعَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَاجِبَةٌ فِي الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، أَمَّا فِي الأُمُورِ الدُّنيَوِيَّةِ، كَوَضْعِ الخِطَطِ الحَرْبِيَّةِ وَاتخاذِ مَوَاقِعَ لِلقِتَالِ وَغَيرِ ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَستَشِيرُ أَصْحَابَهُ - كَمَا حَدَثَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ؛ لَمَّا أَتَاهُ الخَبَرُ عَنْ قُرَيشٍ بِمَسِيرِهِمْ كَمَا جَاءَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ: "فَاستَشَارَ النَّاسَ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُرَيشٍ؛ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَالَ وَأَحْسَنَ، ثُمَّ قَامُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ وَأَحْسَنَ، ثُمَّ قَامَ المِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو؛ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ امْضِ لِمَا أَمَرَكَ اللهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ استَشَارَهُمْ فِي مَوقِعِ نُزُولِ الجَيشِ قَبلَ الـمَعرَكَةِ وَالنُّزُولِ عِندَ مَاءِ بَدْرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ حِكْمَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم القُدْوَةِ وَالأُسوَةِ؛ لِيُرشِدَ أُمَّتَهُ إِلَى الاستِفَادَةِ مِنْ خِبْرَاتِ الـمُتَخَصِّصِينَ، وَالرُّجُوعِ إِلَيهِمْ، كُلٌّ فِيمَا يَخَصُّهُ حَسْبَ الحَاجَةِ وَالحَالِ وَالظُّرُوفِ ..".


اللَّهُمَّ مُنَّ عَلَينَا بِخَلِيفَةٍ كَعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ... يَفْهَمُ كِتَابَ اللهِ فَهْمًا صَحِيحًا رَاقِيًا، وَيَحْنُو عَلَى رَعِيَّتِهِ، وَيَبكِي لِأَجْلِهَا إِشْفَاقًا عَلَيهَا .. اللَّهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ "عَطَاءَ بْنَ خَلِيل أَبُو الرَّشتَةَ" نَحْسَبُهُ كَذَلِكَ، وَأَنْتَ حَسِيبُهُ لَا نُزكِّي عَلَيكَ أَحَدًا .. اللَّهُمَّ خُذْ بِيَدِهِ وَنَاصِيَتِهِ إِلَيكَ ... اللَّهُمَّ هَيِّئْ لَهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالإِخْلَاصِ وَالبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ أَهْلِ القُوَّةِ وَالـمَنَعَةِ مَنْ يَنصُرُهُ، وَيُعِينُهُ عَلَى إِقَامَةِ دَولَةِ الخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ عَلَى مِنهَاجِ النُّبُوَّةِ، وَهَيِّئْ لَهُ اللَّهُمَّ البِطَانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تَأمُرُهُ بِالـمَعْرُوفِ وَتَنهَاهُ عَنِ الـمُنكَرِ، وَارْزُقْنَا اللَّهُمَّ قَبْلَ مَمَاتِنَا مُبَايَعَتَهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنا وَمَكْرَهِنا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَينَا .. إِنَّكَ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ ... آمِينْ يَا رَبَّ العَالَمِينَ!!

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية الأردن
الأستاذ: محمد النادي

 

     
19 من ذي القعدة 1438
الموافق  2017/08/11م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/