بسم الله الرحمن الرحيم




همسات
موقف المؤمن من الابتلاء

بسم الله الرحمن الحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،،،
إن الله خلق الإنسان ليعيش في هذه الدنيا وفق أوامره ونواهيه ليثيبه الله على أعماله التي عملها في هذه الحياة فإن أحسن كان جزاؤه الجنة والدرجات العلا وإن أساء فعلى نفسه والعياذ بالله.


ومن سنن الله في هذا الكون أن كتب على عباده بعض الابتلاءات حتى يجازيهم على مايصيبهم فكتب لهم الأجر العظيم على ذلك قال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))، كيف لا وقد يقع على الإنسان من الأعمال مالا قبل له بدفعها كمصيبة الموت أو المرض أو ضيق الحال أو الظلم من الآخرين ، فجعل الله لمن يصبر على ما قضى الله الأجر والثواب قال صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ ) فالمؤمن في الحالين يؤجر، على الخير إن شكر وحمد الله على ما آتاه، وفي الضراء ومايقع عليه من قضاء لا قبل له بدفعه فيصبر ويحتسب أمره لله ليقينه أن مرجعنا ومآلنا يوم القيامة إلى الواحد الأحد فيجازي كلا بما كسب.


فالصبر على الابتلاءات من أعظم العبادات فقد أمر الله سبحانه نبيه الكريم بالصبر على حمل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) وقد ذكر الله وصية لقمان لابنه بالصبر على الأذى عند حمله للدعوة (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
هذا هو الصبر المحمود في الأيات، أي الصبر على مايقع على المؤمن من ابتلاءات، الصبر على مايلاقي المؤمن من أذى حين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.


لكن أيها الإخوة إن من الخطأ والتضليل أن يُطالبَ الناس بالصبر على ما يقع عليهم من ظلم الأنظمة الساسية ومن ظلم الفاسدين الذين ينهبون ثروات الأمة ويرهنون البلاد للغرب الكافر المستعمر، إنه التضليل بأن نُدعَى للصبر على عدم تطبيق شرع الله في جميع مناحي حياتنا، بل ويحارب ويعتقل من يعمل لإزاحة الظلم واستئناف الحياة الإسلامية التي بعدم وجودها تعيش الأمة المآسي تلو المآسي والمصائب تلو المصائب، فالمسلمون يقتلون ويبتلون ولكن يجب العمل على نصرتهم ورفع الظلم عنهم والصبر على هذا العمل حتى يفرج الله عنهم.


إنه لمن الظلم السكوت على الظالمين وأعوانهم وعدم الأخذ على أيديهم وأطرهم على الحق أطرا وقصرهم على الحق قصرا وإلا لحقنا وعيد الله عز وجل حين نركن للظالمين ونسكت على ظلمهم بحجة الصبر فقال صلى الله عليه وسلم مقسما بالله : ((والذي نفسي بيده لتأمُرنّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) و قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (113)) وقال ابن جريج في تفسير هذه الآية، عن ابن عباس : ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن ، أي : لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم ، ( فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ) أي : ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم ، ولا ناصر يخلصكم من عذابه . وقال ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، يقول: لا ترضوا أعمالهم، و يقول: " الركون "، الرضى.


أيها المسلون لقد ابتلينا كأمة وأفراد بحكام ظلمة فجرة لم يطبقوا شرع الله فينا فقط، بل حاربوا العمل لاستئنافه وقتلوا وسجنوا حملة الدعوة إليه، بل و جعلوا لقوى الكفر والاستعمار كل اليد التي تعيث فسادا في بلادنا وهذا الابتلاء لا يواجه بالصبر فقط بل بالعمل لتغيير هذه الأنظمة المحاربة لشرع الله واستبدالها بما يرضي الله عز وجل حتى يغير الله حالنا والصبر على أذاهم في سبيل دعوة الاسلام (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ).


وأما حملة الدعوة فإنهم يجب عليهم أن يصبروا على الابتلاء سواء بالسجن أوالتعذيب أو القتل في سبيل الدعوة ولكن بنفس الوقت يجب أن تعمل الأمة و تقوم برفع الظلم عنهم وتقف معهم وليس الصبر والركون للظالمين فالأمة أفرادا وجماعات محاسبة إن قصرت في نصرة الحق وأهله.


أيها الإخوة إنه ليس من الصبر عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو عمل الأنبياء والصالحين إلى يوم الدين بل إنه من العجز عدم القيام بذلك والقعود عنه واثم كبير فلا يفوتكم الأجر والثواب والصبر على الامتثال لأوامر الله وإعادة حكمه في الأرض فنفوز برضى الله في الآخرة ويجزينا نصرا وتمكينا في الدنيا (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)).

 

     
13 من صـفر 1439
الموافق  2017/11/02م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/