بسم الله الرحمن الرحيم




همسات حول خطبة الجمعة
غزوة مؤته دروس وعبر


الحمد لله ناصر المستضعين والصلاة والسلام على اشرف الخلق وقائد الغر الميامين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.


تمر على المسلمين في هذه الأيام ذكرى فيها من رائحة العزة والكرامة ما فيها، فهذه الذكرى جعلت من المسلمين جبلا كالطود العظيم يخشاهم الجبابرة والظالمين ويحسبون لهم ألف حساب، هذه الذكرى التي ضحى فيها المسلمون رغم قلة عددهم وعدتهم ورغم ما أصابهم من هم ونصب، إلا أنهم سطروا لمن بعدهم من الدروس والعبر ما يجعل من يسير على دربهم يصل إلى ما وصلوا إليه من عز الدنيا وحسن ثواب الآخرة، هذه الذكرى هي ذكرى معركة مؤته، مؤته العزة، مؤته الكرامة.


هذه المعركة التي سطر فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع أمثلة البطولة والفداء، هذه المعركة التي يجب على جيوش المسلمين أن يحذوا حذوها ويفكوا العاني ويحرروا المقدسات وينصروا المظلومين ويقتصوا لدماء المسلمين التي أصبحت رخيصة حتى أصبح أبناء الأمة يقتلون بدم بارد جهارا نهارا ودون حسيب أو رقيب ودون أن يمتثلوا لفعل رسول الله الذي لم يهدأ حتى يقتص لدم رسوله الحارث بن عمير الأزدي -رضي الله عنه- الذي قتل من قبل شرحبيل بن عمرو الغساني، عميل الروم الذي كان عاملاً على البلقاء من قبل قيصر الروم، فأرسل جيشا قليل العدد والعدة وهو أقصى ما استطاع تجهيزه في ذلك الوقت. فكان جيش المسلمين مقبلا عازما ممتثلا لأمر الله ورسوله، متسلحين بالإيمان غير آبهين بما يصيبهم في سبيل حماية الدولة الإسلامية ورعاياها وقائدها ورايتها وغير آبهين بما عند عدوهم من عدة وعدد واضعين نصب أعينهم قول الحق سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)) الصف، وقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) التوبة 123. ومتوكلين عليه يرجون النصر من الله ويخافون عقابه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) الأنفال 15-16.


أيها المسلمون:
إن غزوة مؤته تذكرنا بفرض عظيم تم تعطيله من قبل أنظمة عميلة للغرب عملت على تغيير مفاهيم المسلمين حول الجهاد وواقعه الحقيقي وقصروه في الدفاع عن بقعة أرض رسمها الكافر المستعمر قسم بها بلاد المسلمين بعد أن كانوا يعيشون في دولة واحدة بلا حدود ولا سدود، وقصروه على جهاد الدفع فقط في حال اعتداء معتد على هذه البقعة، ولكن حتى هذا المفهوم عطلوه فنرى بلادنا مستباحة من قبل أعدائنا يسرحون ويمرحون في بلاد المسلمين ولا راد لهم، ولا جيوش تتحرك لتعيد لنا العزة والكرامة، فقتل الشاب محمد الجواودة وقبله القاضي رائد زعيتر وسعيد العمرو وغيرهم من أبناء الأمة في الأردن وفلسطين بدم بارد على يد أبناء كيان يهود الغاصب لأولى القبلتين يجب أن يقتص لهم من خلال تحريك الجيوش لتزيل هذا الكيان المسخ عن الوجود ونردع دول الكفر والاستعمار ونعيد الهيبة للمسلمين.


أيها المسلمون:
إن الصغير والكبير، والمرأة والرجل، وذو السمع والبصر، بل وحتى من فقدهما... الكل يدرك ويعلم ويوقن أن تحرير القدس وكل فلسطين وإيقاف شلالات الدماء وزوال كيان يهود لا يكون إلا بتحريك الجيوش التي تحيط بكيان يهود إحاطة السوار بالمعصم، فمن يعمل لأجل رفعة هذا الدين وينصر الله فإن الله ناصره، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7))سورة محمد، أيها الناس: ألم يأن لكم أن تعلموا أن لا حل إلا بتحريك الجيوش لقتال يهود، وجمع القادرين جنوداً فيها؟ إن الجيوش هم أبناؤكم، ويجب أن يتحركوا للقتال، دون أن يخشوا من حاكم أو ظالم، بل يقتلعوه إن وقف في وجههم، وهم قادرون على إزالة كيان يهود المسخ من الوجود، فالله أحق أن يُخشى وهو العزيز الحكيم، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)) التوبة، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) مسند الإمام أحمد، ولكم في معركة الكرامة دروس وعبر فهي تعلمنا أن النصر من الله وأن من التزم الحق الذي أنزله الله سينتصر ولو اجتمعت كل الدنيا عليه، وأن من حج إلى منظمات المجتمع الدولي يطلب الحل منها مصيره التنازل تلو التنازل والخزي والذل والعار أبد الدهر.

 

     
08 من جمادى الأولى 1439
الموافق  2018/01/25م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/