بسم الله الرحمن الرحيم




 

همسات

أرض اليرموك تبكي دماً بذكرى هدم الخلافة

 

 

تأبى وزارة الاوقاف، وهي بوق الدولة للتماهى خجلا مع المادة الثانية من الدستور الاردني بأن الاسلام دين الدولة، تأبى إلا ان تختزل الاسلام عندما تتناول الحديث عنه وعن تاريخه المشرف إلا من خلال النظرة الوطنية القطرية للأردن، بعيداً عن البعد التاريخي العريق للدولة الاسلامية الذي حقق لها العزة والسيادة والريادة، فتقتصر خطبتها في الحديث عن انتصار المسلمين في معركة اليرموك التاريخية والمفصلية، من خلال رؤية نفقية بالحديث عن دور الاردن الجغرافيا، وربط أحداثها بالاردن الحديث كإفراز من إتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية، لتسلخ هذا الدور العظيم للمسلمين على هذه الارض المباركة، التي جبلت بدماء الالاف من الصحابة الذين فتحوا هذه البلاد تحت ظل الخلافة والخليفة، وأيام كان للمسلمين دولة تهتز لذكرها أركان المعمورة، فتعمد الخطبة المقترحة إلى إقصاء هذا البعد التاريخي العظيم للاردن كجزء من دولة الخلافة، يوم دخله الاسلام وأنقذ من أهل الكفر ودولة الروم، بل وأختزلت الاوقاف هذا الانتصار في معركة اليرموك إلى الدولة التي إبتعدت عن أسباب وشروط النصر وإحتكمت وأذعنت لشرعة الطاغوت المتمثلة في الشرعية الدولية وشرعة هيئة الامم المتحدة، التي أدت بالبلاد والعباد إلى ذيل الامم، أفلا تستحيي هذه الاوقاف من الله ورسوله والمؤمنين، عندما تتحدث عن إستمرار بطولات النظام، الذي استباح أرض اليرموك الطاهرة لقواعد أمريكا وبريطانيا أعداء الاسلام والمسلمين، ويهود الذين يستبيحون الاقصى، وأعظم بطولاتهم الإرتماء في أحضان الشرعية الدولية؟

 

لقد غيرت معركة اليرموك مجرى التاريخ بهزيمة دولة الروم وجيشها الاقوى في العالم آنذاك، وانتصار المسلمين الذين إنطلقوا بنشر الاسلام بالدعوة والجهاد إلى العالم حيث وصلوا مشارف باريس بعد هذه المعركة بنحو قرن من الزمان...

 

كان أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه منشغلاً بفتح بلاد الشام ونشرالإسلام حيث أرسل أربعة جيوش من المسلمين إلى الشام، لينشغل جيوش الروم مع كل جيشٍ من المسلمين على حدة، وبالتالي تسهيل عمليّة الانتصارعليهم في خطة محكمة ذكية، ولكن هرقل الروم فهم الخطة فجمع جيشاً عظيماً ليُقاتل به المسلمين ويحدّ من الفتوحات محاولة منه وقف المد الإسلامي وانتشاره  في البلاد، وعندما علِم قادة الجيوش بحركة الجيش الرومي و تجمعهم حيث تجمعوا بأرض اليرموك وهي مساحة كبيرة لتتسع جيشهم المكون  من مئتين وأربعين ألف مقاتلٍ.


أرسل قادة الجيوش إلى الخليفة أبي بكرٍ يطلبون الإمدادات لانها معركة مصيرية فاصلة وعليها وبها يتغير مجرى التاريخ، فكتب الْخَلِيفَة إِلَى خالد بن الوليد يَأْمُرهُ بِأَن يسْتَخْلف على الْعراق، وَيتَّجه بخيرة جنده إِلَى الشَّام، وصدع خَالِد بِأَمْر الْخَلِيفَة واتجه إِلَى الشَّام فِي تِسْعَة آلَاف مقَاتل من خيرة الْجند على جناح السرعة  بحنكة ودراية لم تعهد في ذلك الزمان...


وحتى ذلك الوقت كان المسلمون يقاتلون متساندين، كل جيش من الجيوش الخمسة كيانٌ مستقل له أميرُه وتشكيله الخاص، وتتساند الجيوش في المعارك. فلما رأى خالدٌ جيشَ الروم كتلة متراصّة بتعبئة واحدة خاطب قادة الجيوش فقال: هل لكم -يا معشر الرؤساء- في أمر يُعزّ الله به الدين ولا تدخل عليكم منه نقيصة؟ إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه البغي ولا الفخر. أخلِصوا جهادكم وعملكم لله، ولا تقاتلوا قوماً على نظام وتعبئة وأنتم على تساند وانتشار، فإن هذا لا ينبغي ولا يجوز، وَإِن من وراءكم لَو يعلم علمكُم حَال بَيْنكُم وَبَين هَذَا، فاعملوا فِيمَا لم تؤمروا بِهِ بِالَّذِي ترَوْنَ أَنه الرَّأْي من واليكم ومحبتكم...


قالوا: فما الرأي؟ قال: إن أبا بكر لم يبعثنا قادة على الجيوش إلا وهو يرى أننا سَنَتياسر، ولو علم بالذي يكون لَجَمعكم في جيش واحد. إن الذي أنتم فيه من الفرقة أشدّ على المسلمين ممّا غشيهم وأنفع للمشركين من كثرتهم. ولقد علمت أن الدنيا فرّقت بينكم، فاللهَ الله، فقد أُفرِد كل أمير منكم ببلد من البلدان، ولا ينتقصه إنْ دان لغيره من الأمراء ولا يزيده إن دان له غيرُه. إنّ تأميرَ بعضكم عليكم لا ينقصكم عند الله، فهلمّوا، فإن هؤلاء قد تهيئوا واتحدوا ليوم له ما بعده، فإن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردّهم، وإن هزمونا لم نفلح بعدها...


اجْتمع الْمُسلمُونَ على خَالِد بعد أَن مكث شهرا على اليرموك لَيْسَ بَينه وَبَين الرّوم قتال، واقترح خَالِد بعد أَن آلت إِلَيْهِ القيادة الْعَامَّة لجيش الْمُسلمين أَن يقسم الْجَيْش إِلَى كراديس (فرق)، كل فرقة من ألف رجل، وَجعل على كل كرْدُوس رجلا مِمَّن اشتهروا بالشجاعة والإقدام، أَمْثَال القعقاع بن عمرو وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل وأضرابهم، وَأسْندَ قيادة الْقلب إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، وقيادة الميمنة إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ وشرحبيل بن حَسَنَة، وقيادة الميسرة إِلَى يزِيد بن أبي سُفْيَان. وَقَالَ لأَصْحَابه: "إِن عَدوكُمْ كثير، وَلَيْسَ تعبية أَكثر فِي رَأْي الْعين من الكراديس"...


حاول خَالِد بذلك أَن ينسي الْمُسلمين كَثْرَة الرّوم المخيفة، وَأَن يظْهر الْمُسلمين فِي حَالَة تدخل الرعب والفزع فِي عدوهم، وَلكنه لم يلبث أَن سمع رجلا يَقُول: "مَا أَكثر الرّوم وَأَقل الْمُسلمين!"، فَغَضب خَالِد لما سمع وَصَاح مغضبًا: "بل مَا أقل الرّوم وَأكْثر الْمُسلمين، إِنَّمَا تكْثر الْجنُود بالنصر، وتقل بالخذلان، وَالله لَوَدِدْت أَن الْأَشْقَر -يَعْنِي فرسه- برَاء من توجِّيه وَأَنَّهُمْ أَضْعَف فِي الْعدَد"...


وَقَامَ أَبُو سُفْيَان بدوره كواعظ للْمُسلمين خير قيام، فَقَالَ وَهُوَ يمشي بَين الكراديس: "يَا معشر الْمُسلمين، أَنْتُم الْعَرَب وَقد أَصْبَحْتُم فِي دَار الْعَجم منقطعين عَن الْأَهْل، نائين عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ وإمداد الْمُسلمين، وَقد وَالله أَصْبَحْتُم بِإِزَاءِ كثير عدده، شَدِيد عَلَيْكُم حنقه، وَقد وترتموهم فِي أنفسهم وبلادهم وَنِسَائِهِمْ، وَالله لَا ينجيكم من هَؤُلَاءِ الْقَوْم، وَلَا يبلغ بكم رضوَان الله غَدا إِلَّا بِصدق اللِّقَاء وَالصَّبْر فِي المواطن الْمَكْرُوهَة، أَلا وَإِنَّهَا سنة لَازِمَة، وَإِن الأَرْض وراءكم، وَبَيْنكُم وَبَين أَمِير الْمُؤمنِينَ وَجَمَاعَة الْمُسلمين صحاري وبراري لَيْسَ لأحد فِيهَا معقل وَلَا معول إِلَّا الصَّبْر، ورجاء وعد الله فَهُوَ خير معول، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هِيَ الْحُصُون". ثمَّ ذهب إِلَى النِّسَاء فوصاهن، ثمَّ عَاد فَنَادَى: "يَا معشر أهل الْإِسْلَام حضر مَا ترَوْنَ، هَذَا رَسُول الله وَالْجنَّة أمامكم، والشيطان وَالنَّار خلفكم"، وَرجع إِلَى موقفه فِي الصَّفّ حَيْثُ كَانَ...


وَقَامَ أَبُو هُرَيْرَة بعد أبي سُفْيَان فَقَالَ: "سارعوا إِلَى الْحور الْعين وَجوَار ربكُم عز وَجل فِي جنَّات النَّعيم، مَا أَنْتُم إِلَى ربكُم فِي موطن بِأحب إِلَيْهِ مِنْكُم فِي مثل هَذَا الموطن، أَلا وَإِن للصابرين فَضلهمْ"


يالله كم لهذه  الكلمات من أثر عظيم وحماس كبير فالمعركة  مصيرية وأدرك المسلمون أنها ستغير مجرى التاريخ فهذه كلمات خالد خالدة تبين عظم القيادة ووضوح الأمر والفرق الشاسع فيحتاج إلى خطة محكمة واستراتيجية عبقرية وانتصار كبير والكل بالميدان أنها معركة الإسلام وإنها من ايام الله...



واشتدت المعركة وَصلى الْمُسلمُونَ صَلَاة الظّهْر وَالْعصر إِيمَاء، وفر المنهزمون من اليرموك حَتَّى بلغُوا دمشق، وَأما هِرقل فَإِنَّهُ لما بلغه خبر اليرموك وَكَانَ بحمص تَركهَا وَولى عَلَيْهَا رجلا وَجعلهَا بَينه وَبَين الْمُسلمين، وودع سوريا الْوَدَاع الْأَخير‏وهو يقول: "السلام عليك يا سوريا، سلاما لا لقاء بعده"، وَتوجه الْمُسلمُونَ بعد ذَلِك إِلَى الْأُرْدُن، وطهروها مِمَّا بَقِي فِيهَا من جنود الرّوم، ثمَّ تابعوهم إِلَى دمشق حَيْثُ حاصروهم هُنَاكَ، واستشهد من المسلمين حوالي ثلاثة آلاف مسلم، ولحقت بالروم خسائر فادحة بلغت سبعين ألفا ويزيد...



اي فرق طالك يا أرض اليرموك عندما كنت في ظل دولة الإسلام شامخة، وما أصبحت عليه اليوم في ظل أنظمة الخزي والعار، أنظمة الاتفاقيات الأمنية واتفاقية وادي عربة وتأجير الارض... ليهود المجرمين ومن خلفهم من الغرب الكافر المستعمرالذين يقيمون قواعدهم على ترابك الطاهر تمكيناً لهم في حربهم على الاسلام والمسلمين.

 

 

فالدرس الأبلغ الذي يجب ان تشير إليه خطبة الاوقاف، هو دعوة المسلمين لإعادة الدولة الاسلامية ، دولة الخلافة التي حققت هذا النصر، بل يجب ان توجه دعوتها للنظام وجيوش الامة للاستفادة من عبر معركة اليرموك، بأن الانتصارات العظيمة والبطولات التي شهدها الاردن كانت، عندما كان جزءاً من دولة الخلافة، ولاتتحقق إلا بعودة هذه الدولة وبعودته كما كان تحت ظلها وظل راية لا إله إلا الله، فهاهي أرض الاردن ظمأى لمثل هذه البطولات لتروى برجال يحبون الله ويحبهم كما رواها  الآلاف من الصحابة الكرام، فيطردوا أعداء الامة من يهود ومن خلفهم ويطهروها من رجسهم نهائياً إلى غير رجعة، ولا يكون ذلك إلا كما دخلها المسلمون أول مرة تحت ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة، تطبق الاسلام وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، فنستذكر معركة اليرموك مع ذكرى أليمة وهي ذكرى هدم الخلافة في بدايات هذا القرن،  ولكننا على موعد مع النصر باذن الله بعودتها على منهاج النبوة قال تعالى:

 

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)...

 

 

المكتب الاعلامي لحزب التحرير/ ولاية الاردن

 

 

     
18 من رجب 1439
الموافق  2018/04/05م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/