بسم الله الرحمن الرحيم




همسات

القدوة الحسنة في إتباع الاسلام

وليس في تبعية الغرب الكافر


قررت وزراة الأوقاف أن تكون الخطبة الموحدة لهذه الجمعة 5 جمادى الاول 1440هـ الموافق 11/1/2019م تحت عنوان: "القدوة الحسنة وأثرها في التربية"، وسيكون لنا وقفة ومحاور تحت هذا العنوان، فنقول وبالله التوفيق:-

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، واشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم سيد البشر أما بعد:

 

يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، ويقول أيضا في كتابه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، ويقول تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، إن موضوع القدوة والأسوة وفيمن تكون، هو موضوع في غاية الأهمية، ولكنه يقتضينا أولاً من هو القدوة الذي يجب على الأمة أن تتابع أفعاله وأقواله؟ أي من هو الذي طلب أمراً فإن أمره نافذ لا محالة، هل هو الأب أم الأم أو الحاكم أم مَن؟ إن هذا هو أصل الأمر وأساسه والباقي فروع له، ولتوضيح الأمر دعونا نعود إلى الآية (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) فالاسوة والقدوة الواجب الاتباع هو النبي صلى الله عليه وسلم، والباقي تكون طاعته في حدود ما أمر به الشرع، وقرينة ذلك هو قوله (لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)، فالطاعة واجبة للأب والأم والزوج في حدود المعروف، والتأسي شيء آخر، ولقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم هذا المعنى جيداً، ونذكر نموذجين من افعالهم ترينا كيف كانت متابعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم:-

 

الحادثة الأولى: لما رأى الصحابة رضوان الله عليهم في يد رسول الله خاتماً من ذهب لبسوا خواتيم من ذهب، فلما خلعه خلعوا خواتيمهم، عن ابن عمر رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصطنع خاتماً من ذهب، فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه فصنع الناس كذلك، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال: إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصه من داخل، فرمى به ثم قال: والله لا ألبسه أبداً فنبذ الناس خواتيمهم" ، وفي لفظ " جعله في يده اليمنى ".

 

الحادثة الثانية: حينما خلع النبي نعليه في الصلاة خلع الصحابة نعالهم تأسياً ومتابعة له، فعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بينما رسول الله عليه السلام يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما على يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى النبي عليه السلام صلاته قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ قالوا رأيناك القيت نعليك فألقينا، فقال عليه السلام: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً أو قال أذى، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فاذا رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما"

 

هكذا كان يفهم الصحابة التأسي والاقتداء، كانوا لا يحيدون عن متابعة الرسول عليه السلام قيد شعرة، يصلون كما يصلي، ويحجون كما يحج، ويتعاملون فيما بينهم كما يعاملهم الأسوة والقدوة عليه السلام، ويجاهدون عدوهم كما يجاهد رسول الله عدوه، لا يفرقون في تأسيهم بين متابعته عليه السلام في الصلاة والحج وبين جهاد الكفار والحكم بالإسلام، فتراهم أول فعل فعلوه بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام أن اجتمعوا على وجه السرعة، وحتى قبل دفن النبي عليه الصلاة والسلام ليبايعوا الصديق رضي الله عنه خليفة لهم حتى لا ينفرط عقد هذه الأمة فتذهب ريحها ولا تصان بيضتها، فالأمة منذ ذهاب سلطانها؛ سُلب عزها ومجدها، فالدولة هي التي كانت تصون الأعراض وتحفظ الدماء والأموال، فأي بحث عن أسوة وقدوة؟ أقدوتنا الدول الطامعة في بلادنا وثرواتنا؟ أم القدوة في اتباع قرارات مجلس الأمن لحل مشاكلنا؟ أم القدوة في اتباع البنك الدولي في حل مشاكلنا الإقتصادية؟ فأي بحث عن أسوة وقدوة أيها المسلمون وقرآن ربنا وسنه نبينا تشهد وتنطق بأفعاله وأقواله، ولا نظن أننا سنخرج من هذه الدوامة وهذه المتاهات دون الرجوع إلى الإسلام نظام حكم وطريقة عيش، وإلا فإن الأمر والله جد خطير والخطب جلل.

 

أيها المسلمون: إنه مما لا قبل للعقل بفهمه، هو كيف نبحث فيمن نتابعه ونتأسى بفعله وقوله؟ وكتاب ربنا الذي بتمسكنا به كنا سادة الدنيا نقرأه في ليلنا ونهارنا، ولسنة رسولنا مشاهد حية نعيشها قراءةً ودراسةً وفقهاً، فالصحابة رضوان الله عليهم بتأسيهم برسولهم عليه الصلاة والسلام فتحوا الدنيا حتى علت راية الإسلام في كل جنبات الأرض وعم الخير وانتشر في ربوع الأرض، نعم... هكذا كانوا وبدين الله صاروا...

فلماذا إذن - وكتابنا هو كتابهم، وسنتنا هي سنتهم،- تبدل حالنا من سادة للدنيا إلى أذناب بل أتباع لكل ناعق، لا ريح لنا ولا لون ولا رائحة؟

يتلذذ الكفار بقتلنا وانتقاصنا، متعطشون لسفك الدماء وانتقاص الأعراض، ولا عمر عندنا ولا صلاح يردعهم...

لماذا ونحن الأمة التي قال الله تعالى فيها: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)؟ لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟

أفلا يدعونا ذلك إلى البحث والتنقيب في سيرته المصطفى صلى الله عليه وسلم وهي ليست أحجيات وطلاسم وإنما هي سهلة ميسورة فهل من مدكر؟

 

فعندما أنزل الله تعالى الشريعة الإسلامية على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وأمره بتبليغها للناس ليؤمنوا بها ويصدّقوا بها ويعملوا بما فيها، فإنه سبحانه قد كلف رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أيضا بتجسيد هذه الشريعة في دولة، أي أمر بجعل الشريعة مجسدة في كيان وواقع محسوس، هو الدولة الإسلامية، وقد كان من نتيجة هذا التجسيد دخول الناس في الإسلام أفواجاً، ففي أوائل الدعوة مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى الإسلام قبل أن يقيم الدولة، فلم يؤمن به وبرسالته سوى عدد قليل، ولكنه بعد أن أقام الدولة في المدينة، أي بعد أن جسّد الإسلام في كيان محسوس تدفق الناس من أهل المدينة ومن خارجها أفواجاً للدخول في الإسلام، رأينا استمرار تدفق الشعوب للدخول في الإسلام طيلة وجود الواقع المادي المحسوس له، أي طيلة تمثل الإسلام في دولة، فدخلت في الإسلام الشعوب المختلفة على يد الدولة الإسلامية، ولولا وجود هذه الدولة لما دخلت هذه الشعوب في الإسلام، فكانت هذه الدولة الكيان القدوة التي تجسدت فيه الناحية العملية لعدل الاسلام ورحمته، ولكن في غياب هذه الدولة، أي منذ أن الغى الخلافة المجرم مصطفى كمال، رأينا أن انتشار الإسلام قد توقف وانحسر في عدة مناطق عقب ضعف الخلافة وما استتبعه ذلك من ضعف عملها في حمل الدعوة بل وفي توق المسلمين لاستئناف الحياة الاسلامية بتطبيق أحكام الاسلام في كافة أنظمة المجتمع، حتى تكون الدعوة للاسلام قدوة عملية صادقة لتأسي الناس بها.


إن الصحابة لم يفضلونا بكثرة صيام أو صلاة، وإنما لأنهم لما قبلوا هذا الاسلام العظيم لم يكن لهم الخيرة من أمرهم، وإنما هو الاتباع والاقتداء فقط، قال تعالى:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، فالتأسي لا يكون بما يوافق هوانا وعقولنا وإنما يطلبه الإسلام ونظامه وأحكامه، تؤخذ كُلاً كاملة غير منقوصة، فلا انتقاء ولا اختيار ولا هوى، ووالله لن يكون لنا عز إلا بما عز به الأولون من الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين، إلا بكيان يحفظ الأرض والعرض والدين، يجمع شمل المسلمين ويوحد رايتهم وكلمتهم، وأن الكافر قد عقل المعادلة وفهمها أكثر من الكثير من أبناء المسلمين للأسف الشديد، وهذا ما قاله كرزون عندما عاب عليه مجلس العموم البريطاني لما لم يفتت تركيا والمبضع في يده قال: "لقد قضينا على سبب عز المسلمين قضينا على الخلافة"، ولكننا نصدق قول الله الذي قضى بأن هذه الأمة منصورة لا محالة بإذنه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

والحمد لله رب العالمين


     
04 من جمادى الأولى 1440
الموافق  2019/01/10م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/