8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




همسات

مفاهيم الإسلام ضوابطٌ لسلوك الإنسان في الحياة

وعبادة الله تستلزم تطبيق شرعه في الحياة



قررت وزارة الأوقاف في الأردن أن تكون خطبة الجمعة الموحدة لتاريخ 19/7/2019م بعنوان (أثر العبادات في سلوك المسلم)، وسيكون لنا وقفات مع هذه الخطبة.


أولاً: إن أفكار الإسلام هي مفاهيم وليست مجرد معلومات، ومعنى ذلك أنها جاءت لتؤثر في سلوك الإنسان وتضبطه، فلا بد أن يدرك المسلم أن الإسلام جاء بمفاهيم لضبط سلوكه في الحياة الدنيا ونحو الحياة الأُخرى، فيأخذ كل فكرٍ قانوناً لضبط سلوكه ضمن هذا القانون، فتظهر فيه الناحية العملية لا الناحية التعليمية .

ويجب أن يكون واضحاً أنه إذا أُخذت فيه الناحية التعليمية فَقَدَ صِبغته الأصلية وهي كونه قانوناً لضبط السلوك، وصار معرفةً كمعارف الجغرافيا والتاريخ، فيفقد بذلك حرارة الحياة الموجودة فيه، ويُصبح ليس إسلاماً بحتاً، وإنما معارف إسلامية، يستوي في الإحاطة بها المستشرق الكافر الذي لا يؤمن بها والذي يتعلمها ليُحاربها ويُحارب أهلها، مع العالم المسلم الذي يؤمن بها ولكنه يُنقِّب عنها كمعلوماتٍ وكلذة علمية، دون أن يخطر بباله أن يتخذها ضوابط لسلوكه في الحياة .


ولقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم هذا الأمر، فكانوا يتلقون الآيات ليعملوا بها وتؤثر في سلوكهم. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلمهن ونعمل بهن، ونُعلمهن، ونَعلم حلالهن وحرامهن، فأوتينا العلم والعمل) . وعنه قال: (إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى , يَقُولُ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ , فَإِنَّهُ خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ ، أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ) .


ثانياً: إن مفهوم العبادة في الإسلام، الذي نفهمه من قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} يتعّدى ما يُذكر تحت "باب العبادات" في الفقه، إذ يشمل جميع أحكام الشريعة الإسلامية، ومحاولةُ قصر معنى العبادة على صومعة الفرد وانزواءه عن المجتمع هي محاولةٌ لإعطاء الإسلام مسحةً كهنوتيةً هو بعيدٌ تمام البُعد عنها .

فالله سبحانه تعالى كما نعبده بصلاتنا، فإننا نعبده بإجراء معاملاتنا وفق شرعه، ونعبده بتطبيق شرعه كنظام للحياة، ونعبده بحمل هذا الإسلام للعالم أجمع بالدعوة والجهاد. فعبادة الله تعالى تشمل جميع نواحي حياتنا، كما قال عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.


ثالثاً: إن الذي يضبط سلوكه وفق أحكام الإسلام فهو إنما يعبد الله سبحانه وتعالى، أما الذي يضبطه وفق أهواء الحكام وقوانينهم الوضعية فهو إنما يعبد هؤلاء الحكام. وقد يستهجن البعض هذا الوصف... هذا الاستهجان نفسه، هو ما حدا بالصحابي الجليل عدي بن حاتم لأن يستدرك أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} ،فقال يا رسول الله ما عبدناهم!، فقال صلى الله عليه وسلم: أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟! قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم!

هذا أمر غفل عنه بعض الناس في غمرة انسياقهم وراء الزعماء، فلا يوقفون أوامرهم على كلام الله، ولا يقيسون أعمالهم على حلاله أو حرامه، فاتَّعبوهم على ما هم عليه من تجاوزٍ لأوامر الله ونواهيه.

فلا بد نُرجع الأمر إلى نصابه الصحيح، بوضع أفعال الناس جميعاً على مقياس واحد، وهو مقياس الشرع، فما انبثق عن شرع الله أخذنا به، وما خالفه ضربنا به عرض الحائط .


رابعاً: إن ضبط سلوك الناس وفق أحكام الإسلام لا يتم على أكمل وجه إلا بتطبيق شرع الله بدولةٍ تضع الإسلام موضع التطبيق والتنفيذ، فتتخذ القرآنَ دستوراً لها، وتأخذ ما جاء به الإسلام من أنظمة اقتصادية واجتماعية ونظام حكم وغيرها من الأنظمة التي جاء بها الإسلام، فتتبناها كأنظمةٍ لها في الدولة، وتحمل الإسلام للعالم أجمع بالدعوة والجهاد.


فلا بد من العمل لهذا الفرض العظيم، حتى نحقق عبادة الله سبحانه وتعالى كما أرادها منا، ونُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فنكون ممن عمل لتحقيق وعد الله تعالى حيث قال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .


والحمد لله رب العالمين .


     
16 من ذي القعدة 1440
الموافق  2019/07/18م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد