7 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 26, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




ردًا على الصادق المهدي ... الخلافة فرض شرعي وليست شأنًا بشريًا

 

جاء في جريدة الرأي يوم السبت 29/ 4 /2017 في مقابلة مع الصادق المهدي رئيس ما يسمى بالمنتدى العالمي للوسطية, وعلى هامش مؤتمر الإسلام والتحديات المعاصرة الذي عقد في عمان وتحت عنوان: الصادق المهدي: «الخلافة شأنٌ بشري .. وخلوّها من المؤسسات فتح المجال واسعًا للعنف». جاء فيه قوله ما يلي: "وفيما يتعلق بالحكم، رأى المهدي أنَّ الخلافة شأنٌ بشري اتبعه الصحابة عليهم رضوان الله, وتحولت إلى ملك فيما بعد، ولخلوها من المؤسسات فتحت مجالاً واسعًا للعنف والاغتيالات، مؤكّدًا أنّ الدولة الوطنية هي الصيغة الاجتهادية التي تناسب عصرنا، وهي من المرونة بحيث تسمح بعلاقات تعاهدية في النطاق العربي، وفي النطاق الإسلامي".


منذ أن أنشأ الغرب ما يسمى بمنظومة العنف والتطرف والإرهاب وألصقها بالإسلام حصريًا واستغل أعمال بعض التنظيمات المسلحة عمل على وضع الخلافة الإسلامية موضع التشكيك في فرضيتها, واجتهد في التنفير من واقعها كمشروع نهضوي للأمة الإسلامية، اقتربت من تحقيقه كما أشارت لذلك استطلاعات الرأي العالمية, وتنبهت له مراكز الرصد الاستخباراتية ومخازن التفكير الاستراتيجية الغربية، وهو يدرك تمامًا حجم الخطر الذي يهدد وجوده في بلاد المسلمين، بل ومزاحمته كقيادة سياسية عالمية، فقام يخطط ويتآمر ويفعل الأفاعيل من إنشاء التحالفات مع حكام المسلمين وعلماء السلاطين, وتفعيل المنابر والندوات والمنتديات لمن يسمون بأيقونات السياسة والإسلام في حربه الفكرية والسياسية ضد فرضية الخلافة ومشروعها النهضوي، بتشكيك الأمة وإبعادها إن استطاعوا عن سعيها لوحدتها وتطبيق شريعتها، وحصرها للعمل للإسلام تحت مظلة ما يسمى بالدولة الوطنية القطرية، وما الصادق المهدي إلا مثال لهؤلاء الرموز الذين يزعمون أنهم يصدرون في فكرهم ورأيهم عن الإسلام.


فقوله: "إن الخلافة شأن بشري لا يستند إلى أدلة شرعية ولا حتى شبهة دليل"، فهو بهذا القول يلغي كل الأدلة الشرعية التي تتحدث عن الخلافة، ويعتبرها نتاج عقلي بشري وليست وحيًا من الله ولا تشريعًا ربانيًا ملزمًا للمسلمين كنظام حكم، وإنما يعتمد في قوله على طريقة الغرب في التفكير من ناحية البحث عن مشروع سياسي يرضي المجتمع الدولي والأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي التي يكيل لها المديح، وهي أبعد ما تكون عن أحكام الإسلام, بل تعمل على إقصائه عن الحياة العامة وفي ذلك تضليل للأمة أيما تضليل، ومن ناحية ما جاء على لسانه بالاجتهاد الفقهي على أساس الحكمة، واستصحاب النافع، والعقلانية، والأولويات الصحيحة، والتدرج، فهذه طريقة الغرب في التفكير ووضع الحلول على أساس "العقلانية والتدرج" التي تناسب الواقع الفاسد أصلا، وهي ليست طريقة الإسلام في التفكير, ولا أصوله في النظر للأدلة الشرعية.


فكيف تكون الخلافة شأنًا بشريًا والإسلام هو شريعة كاملة شاملة تنظم جميع نواحي الحياة دون استثناء؟؟ قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). وقال سبحانه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، فنظام الحكم من حيث هو مجموعة من الأفعال البشرية المتعلقة برعاية شؤون الناس, وتنصيب الحاكم, وممارسة واجبه وتنفيذه للقوانين، شملها الإسلام بالتنظيم والتشريع، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام دولة للمسلمين، وحكمها عشرة أعوام حتى التحق بالرفيق الأعلى، ثم تابعه الصحابة رضي الله عنهم بقيادة الخلفاء الراشدين على نهجه في الحكم. ونهج النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم هو جزء من سنته التي هي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله تعالى. وكذلك ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، من شؤون تتعلق بممارسة الحكم والسلطان.


أما الطامة الكبرى فهي قوله: "إنّ الدولة الوطنية هي الصيغة الاجتهادية التي تناسب عصرنا، وهي من المرونة بحيث تسمح بعلاقات تعاهدية في النطاق العربي، وفي النطاق الإسلامي". وهو ما يؤكد أنه لا ينطلق من عقيدة الإسلام, ولا أحكامه في رأيه، عندما يتحدث, ويصف الدولة الوطنية بالصيغة الاجتهادية التي تناسب عصرنا، فأين أدلة قوله من الإسلام، وهو يتناقض مع قوله "إنّ الطريق المنشود إنّما يعتمد على صحة قراءة الواقع"، فهو عندما ينفي فرضية الخلافة فهو يريد أن يستبعد كونها رئاسة عامة للمسلمين في الأرض, وهي الكيان السياسي الشرعي والوحيد الجامع الموحد لهم، ينتج عن غيابها حتما انقسام المسلمين وتفتتهم إلى كيانات هزيلة برؤوس متعددة، والعجب العجاب في كيفية صحة قراءة الواقع التي ينشدها رئيس منتدى الوسطية، وهو يرى أن الدولة القطرية الوطنية، على مدى قرن من الزمان قد كرست التجزئة والانعزال بينها، تسعى كل دولة منها إلى ترسيخ هوية وطنية على أساس واحات تاريخية موهومة بحثا عن أصول مستحدثة، تؤدي كما نشاهد الى ثقافة التقاطع والنزاع والمكائد بدل التواصل والتعاضد.


فالدولة الوطنية التي فرضتها السياسات الاستعمارية لسايكس - بيكو، أصبحت إنجازًا عظيمًا للمستعمر تحرسه الأنظمة الحاكمة، وكلما أصبحت على شفا جرف هار طلع علينا من يدعي بأن الدولة الوطنية هي الدولة المنشودة التي تناسب عصرنا، ولا بأس لسد الفجوة الشرعية التي تحدث عنها الصادق المهدي من استبدال دولة الخلافة الجامعة الموحدة للمسلمين "بعلاقات تعاهدية مرنة في النطاق العربي، وفي النطاق الإسلامي" لا تسمن ولا تغني عن الحق شيئًا سوى أنها تقزم وتوهم شعوب الدول الوطنية بنكهة إسلامية محصورة في حدود الدولة القطرية، بعيدة عن مفهوم الأمة العابر للحدود والقارات الذي تسطره عمليًا دولة الخلافة الإسلامية، وقوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة).

 

إن محاولات تبني محاكات زائفة للمشروع الإسلامي بدون مشروع الخلافة الإسلامية، بمفهومها الشرعي على منهاج النبوة، والعملي الذي دام ما يزيد على ثلاثة عشر قرنًا، من خلال حصر الإسلام بدول وطنية قطرية، أو خلافة مزعومة، أو علمانية إسلامية، أو مدنية بمرجعية إسلامية، أو أي شكل من أشكال الترضية للمسلمين، والسعي لنيل رضا الغرب والمجتمع الدولي، هي مشاريع استعمارية فاشلة مكشوفة، ولو كانت على ألسنة من يدعون ويروج لهم بأنهم رموز إسلامية.

 

 

نائب رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
د. أحمد حسونة

 

     
05 من شـعبان 1438
الموافق  2017/05/02م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد