30 من شوال 1445    الموافق   Apr 19, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




ينفر الله المؤمنين
من موالاة أعداء الإسلام وأهله من أهل الكتاب والكفار

 

يُنَفِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الـمُؤْمِنِينَ مِنْ مُوَالَاةِ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِنْ الْكِتَابِيِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَاَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ الْمُطَهَّرَةِ الْمُحْكَمَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ، يَتَّخِذُونَهَا هُزُوًا وَلَعِبًا، يَسْتَهْزِئُونَ بِهَا، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ اللَّعِبِ فِي نَظَرِهِمُ الْفَاسِدِ وَفِكْرِهِمُ الْبَارِدِ كَمَا قَالَ الْقَائِل:

وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ..... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْم السَّقِيم!!


وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الَّذِينَ) "مِنْ" هَهُنَا حَرفُ جَرٍّ لِبَيَانِ الْجِنْس، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْ الْأَوْثَان). وَقَولُهُ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلكُمْ) يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ جَاءَتْهُمْ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ الْكُتُبُ مِنْ قَبْلِ بَعْثِ نَبِيِّنَا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ قَبْلِ نُزُولِ كِتَابِنَا القُرآنِ الكَرِيمِ، وَقَولُهُ: (وَالْكُفَّارَ) قَرَأَ بَعْضُهُمْ: (وَالْكُفَّارِ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الاسمِ الـمَوصُولِ (الَّذِينَ) الـمَجْرُورِ بِحَرْفِ الجَرِّ (مِنْ). وَقَرَأَ آخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَعْمُولُ الفِعْلِ (تَتَّخِذُوا) أَيْ مَفْعُولَهُ فِي قَولِهِ تَعَالَى: (لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَالكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ) تَقْدِيرُهُ: وَلَا تَتَّخِذُوا الْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ، أَيْ لَا تَتَّخِذُوا هَؤُلَاءِ، وَلَا هَؤُلَاءِ أَوْلِيَاءَ.

 

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَال فِي هَاتَينِ القِرَاءَتَينِ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، صَحِيحَتَا الْمَخْرَج، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاء، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءٌ قَرَأَ الْقَارِئ بِالْخَفْضِ أَوْ بِالنَّصْبِ، بِأَيٍّ مِنْ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَقَدْ أَصَابَ.

وَالْمُرَادُ بِالْكُفَّارِ هَهُنَا الْمُشْرِكُونَ، وَكَذَا وَقَعَ فِي قِرَاءَةِ اِبْنِ مَسْعُودٍ فِيمَا رَوَاهُ اِبْنُ جَرِيرٍ: (لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا). وَقَوْلُهُ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أَيْ أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِهِ حَقًّا، وَتُصَدِّقُونَهُ عَلَى وَعِيدِهِ عَلَى مَعْصِيَته، فَاتَّقُوهُ فِي أَنْ تَتَّخِذُوا هَؤُلَاءِ الأَعْدَاءَ لَكُمْ وَلِدِينِكُمْ الَّذِينَ اتـــَّخذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا، احْذَرُوا أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَنُصَرَاءَ، وَخَافُوا اللَّهَ، وَارْهَبُوا عُقُوبَتَهُ فِي فِعْلِ ذَلِكَ، إِنْ فَعَلْتُمُوهُ بَعْدَ تَقَدُّمِهِ إِلَيْكُمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْء إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة وَيُحَذِّركُمْ اللَّه نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ).

 

وَقَدْ أَيَّدَ وَوَافَقَ هَؤُلَاءِ الكُفَّارَ فِي اتِّـخَاذِهِمْ آيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَلَعِبًا طَائِفَةٌ مِنَ الـمُنَافِقِينَ مِنْ أَبنَاءِ جِلْدَتِنَا؛ لِيَشْتَرُوا بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، هَؤُلَاءِ الـمُنَافِقُونَ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاتَّـخَذُوا الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِينَ فَفَضَحَهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَدَّ عَمَلَهُمْ هَذَا كُفْرًا، قَالَ تَعَالَى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّـهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّـهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَّعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ). (التوبة 66)

 

فِي ظِلِّ الأَنظِمَةِ الرَّأسمَالِيَّةِ الكَافِرَةِ، تَـجَرَّأَ أَعْدَاءُ الإِسلَامِ عَلَى الذَّاتِ الإِلَـهِيَّةِ، وَعَلَى الإِسلَامِ، وَعَلَى نَبِيِّ الإِسلَامِ، وَعَلَى القُرآنِ الكَرِيمِ كِتَابِ اللهِ العَظِيمِ، وَعَلَى بُيُوتِ اللهِ الـمُقَدَّسَةِ الَّتِي أَذِنَ اللهُ لَهَا أَنْ تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ، وَمَا كَانَ مِثْلُ هَذَا لِيَحْدُثَ فِي ظِلِّ وُجُودِ دَولَةُ الخِلَافَةِ ذَاتِ الهَيبَةِ الَّتِي يَنصُرُهَا اللهُ تَعَالَى بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، أَجَلْ، مَا كَانَ مِثْلُ هَذَا لِيَحْدُثَ فِي ظِلِّ وُجُودِ خَلِيفَةِ الـمُسلِمِينَ الَّذِي يُتَّقَى بِهِ وَيُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ!! اللَّهُمَّ امنُنْ عَلَى أُمَّةِ الإِسلَامِ بِخَلِيفَةٍ رَاشِدٍ، يَحْكُمُهُمْ بِكِتَابِكَ وَسُنَّةِ رَسُولِكَ، يُعَظِّمُ شَعَائِرَكَ، وَيُطَبِّقُ شَرِيعَتَكَ، وَيُقِيمُ حُدُودَكَ، وَيَغَارُ عَلَى دِينِكَ، وَيَردَعُ كُلَّ مَنْ يُحَاوِلُ انْتِهَاكَ حُرُمَاتِكَ!!

 

رَبَّنَا وَإِلَهَنَا وَخَالِقَنَا وَمَولَانَا لَا تُؤَآخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا. اللَّهُمَّ إِنَّ نَاسًا مِنْ خَلْقِكَ غَرَّهُمْ حِلْمُكَ وَإِمْهَالُكَ لِعُقُوبَتِكَ إِيَّاهُمْ، فَتَطَاوَلُوا عَلَى ذَاتِكَ العَلِيَّةِ، وَرَسَمُوا رُسُومًا مُسِيئَةً لَكَ جَلَّ جَلَالُكَ، وَرَسَمُوا رُسُومًا أُخْرَى مُسِيئَةً لـِخَاتَمِ أَنبِيَائِكَ محمد عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَاعْتَدَوا عَلَى أَقْدَسِ مُقَدَّسَاتِكَ، فَمَزَّقُوا كِتَابَكَ، وَأَهَانُوا قُرآنَكَ الَّذِي أَنْزَلْتَهُ نُورًا وَهُدىً لِلعَالَمِينَ، تِلْكَ الأَعْمَالُ، وَتِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ الـمُشِينَةُ إِنْ دَلَّتْ عَلَى شَيءٍ أَوْ عَبَّرَتْ عَنْ مَعْنىً، فَإِنَّـمَا لَا تَدُلُّ عَلَى سَفَهِهِمْ، وسُخْفِ عُقُولِهِمْ، وَانحِطَاطِ فِكْرِهِمْ، وَضَلَالِهِمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ!! اللَّهُمَّ إِنَّا نَبْرَأُ إِلَيكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا آيَاتِكَ وَدِينِكَ، دِينِ الإِسْلَامِ، الَّذِي أَرْسَلْتَ بِهِ خَاتَمَ رُسُلِكَ سَيِّدِنَا محمد عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَخَتَمْتَ بِهِ الرِّسَالَاتُ وَالأَدْيَانَ، وَجَعَلْتَهُ مُهَيْمِنًا عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، اتَّـخَذُوا كُلَّ ذَلِكَ هُزُوًا وَلَعِبًا!!

 

سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيتَ!! يَاذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ!! وَالفَضْلِ وَالإِنعَامِ!! وَالعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ أَنْتَ خَالِقُنَا وَخَالِقُ الخَلْقِ والنَّاسِ أَجْمَعِينْ!! تَعْلَمُ مَنْ خَلَقْتَ، وَأَنْتَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ!! تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخفِي الصُّدُورُ!! لـَمْ تَتْرُكْ خَيرًا إِلَّا دَلَلْتَنَا عَلَيهِ، وأَرْشَدْتَنَا إِلَيهِ، وَأَمَرْتَنَا بِاتِّبَاعِهِ، وَلَـمْ تَترُكْ شَرًّا إِلَّا حَذَّرْتَنَا مِنْهُ، وَنَهَيتَنَا عَنهُ، وَأَمَرْتَنَا بِاجتِنَابِهِ!!

سبُحَانَكَ اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ!! مَا قَدَرْنَاكَ حَقَّ قَدْرِكَ إِلَّا مَنْ رَحِمْتَهُ مِنَّا مِنْ عِبَادِكَ وَإِمَائِكَ!! سبُحَانَكَ اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ!! مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ جَلَّ جَلَالُكَ، وَعَظُمَ ثَنَاؤُكَ!! سبُحَانَكَ اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ!! مَا أَطَعْنَاكَ حَقَّ طَاعَتِكَ تَبَارَكَتْ صِفَاتُكَ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ!!

اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عِبَادًا يُعَظِّمُونَ شَعَائِرَكَ، ويغَارُونَ عَلَى انْتِهَاكِ حُرُمَاتِكَ، بَذَلُوا أَروَاحَهَمْ فِي سَبِيلِ إِعلَاءِ كَلِمَتِكَ وَإِعْزَازِ دِينِكَ، فَتَقَبَّلْهُمْ بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وَاحْشُرْهُمْ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، وَشَفِّعْهُمْ فِينَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ!!

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
الاستاذ/ محمد النادي

 

     
09 من شـعبان 1438
الموافق  2017/05/06م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد