7 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 26, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




الأصل في المرأة أنها أم، وربة منزل، وعرض يجب أن يصان
الجزء الثاني

نبحث معكم الفقرة الآتية، وستكون على أجزاء بإذن الله، وربطها ببعض ما يتعلق بها من مؤامرة على المرأة المسلمة، وقانون القتل بداعي الشرف، وما تيسر لنا من بحثه والله ولي التوفيق:


الأصل في المرأة أنها عرض يجب أن يصان. وقد كان من نخوة العرب في الجاهلية، وغيرتهم إذا وردوا الماء أن يتقدم الرجال والرعاء ثم النساء إذا صدرت كل الفرق المتقدمة، فمن تأخر عن الماء حتى تصدر النساء فهو الغاية في الذل. وكان من مظاهر الغيرة عند العرب سترُ النساء ومنعُهنَّ من الظهور أمام الرجال، يقول الأفوه الأودي:


نُقَاتِـلُ أَقْوَامـــًا فَنَسبِي نِسَاءَهُـمْ ... وَلَم يَرَ ذُو عِزٍّ لِنِسْوَتِنَا حَجْلاً


على أنهم كانوا يفخرون بغض البصر عن الجارات، ويعتبرون ذلك من العفة والغيرة على الأعراض، وما أجمل قول عروة ابن الورد:

 

وَإِنْ جَارَتـــِي أَلْـــــوَتْ رِيَــــــاحٌ بِبَيتِهَــا .... تَغَافَلْتُ حَتَّى يَسْتُرَ البَيتَ جَانِبُهُ


وقول عنترة بن شداد:
وَأَغُضُّ طَرفِي مَا بَدَتْ لِي جَارَتِي .... حَتَّـــى يُـــــــــوَارِي جَارَتِـــــــي مَأْوَاهَـــــــا


هذا في جاهلية ما قبل الإسلام. أما اليوم، وفي ظل المبدأ الرأسمالي، فالمرأة عندهم متعة ولعبة في صالات القمار والرذيلة، حتى إذا فقدت المرأة جمالها ركلها الرجال بأقدامهم إلى جنبات الطريق لا قيمة لإنسانيتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن مسألة العِرْضُ من الأمور التي صانها الإسلام، ومنحها الحماية القصوى والدرجة العليا، ووضعها في علو فوق علو، وحرم الاقتراب منها إلا بما أباحه؛ لدرجة أن علماء الإسلام وضعوا قاعدة في هذا الباب وهي: {أن الأصل في الفروج التحريم} استدلالا بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ). كيف لا وهو في نظر الإسلام من الضرورات الخمس لحياة الإنسان وهي: {الدين، والعقل، والنفس، والمال، والعِرْض}.
ومن هنا وضَع الإسلام له حدًّا للزاني، وهو الجَلدُ لغير المحصَن قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). والرَّجم حتى الموت للزاني المحصَن، وقد طبَّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حدَّ الرَّجم على المرأة الغامدية التي زنَتْ على عهده.
ولا يتوقف الأمرُ عند تحريم الزنا، بل نجد الإسلامَ يحرِّم كل مقدِّماته؛ مِن نظَرٍ، وخَلوة، وتبرج، واختلاط وغيره؛ فقد أمَر الحقُّ -سبحانه- المسلمين والمسلمات بغضِّ البصر: قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا).


ولا تتوقَّفُ حمايةُ الأعراض في الإسلام عند تحريم الزنا ومقدماته، بل نجد الإسلام يطلب ِ الاستئذان عند دخول البيوت وحرم أن يظهر منها غير الوجه والكفين، فعن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يُرى منها إلاّ وجهها ويداها إلى المفصل"، وروى أبو بكر عن ابن جريج قال: "قالت عائشة: دخلت ابنة أخي مُزَيْنة، فدخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض، فقلت: يا رسول الله ابنة أخي، وجارية، فقال: "إذا عركت المرأة لم يجز لها أن تُظهر إلاّ وجهها، وإلاّ ما دون هذا، وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى ونحوه". فهذا التحديد للباس المرأة، ولعورتها دليل على كونها عِرضًا يجب أن يصان.


والآن دعونا نستعرض معكم الأدلة الشرعية الأربعة الثانية، المتبقية من الأدلة الثمانية التي ذكرناها في الجزء الأول من البحث:


الدليل الخامس: أما بالنسبة لدخول البيوت فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَستَأنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا)، فنهى الله عن دخول البيوت إلاّ بإذن أهلها، واعتبر عدم الإذن استيحاشًا، والإذن استئناسًا، فقال: (حتى تستأنسوا) وهي كناية عن طلب الإذن، والإذن هنا المقصود به عدم الدخول على البيت والمرأة في حالة تبذّل، ولهذا ورد أن الإذن مطلوب حتى على الأم ولو وحدها، أخرج أبو داود "أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أستأذِنُ على أمي؟ قال: نعم. قال: إنه ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلما دخلتُ؟ قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال الرجل: لا. قال: فاستأذن". وجعل لكل بيتٍ حرمةً يجب أن يصان، ولا يحقُّ اقتحامُ البيوت دون إذنِ صاحبها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).


والاستئذان فرضٌ في الإسلام؛ من أجل النظر، وحماية العرض، وحرمة البيت؛ فعن سهل بن سعدٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعِل الاستئذان من أجل البصر". (رواه البخاري ومسلم). وقال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ).


فالله تعالى حدد ما يجوز أن يظهر من المرأة في حياتها الخاصة، مما هو فوق الوجه والكفين بأنه إنّما يظهر للمحارم تحريما مؤبدًا ، ولمن لا توجد لديه شهوة أو معرفة بأمور النساء بدليل: " كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، وهو عند بعض نسائه، وهو ينعت امرأة قال: إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا، لا يدخل عليكن. فحجبوه". فهذا التحديد يدل دلالة واضحة على أنها عِرض يجب أن يصان، فأحاطها بهذه الأحكام. وحدد الإسلام العورة تحديدًا دقيقًا، حدد الأشخاص الذين يصح أن يروا أكثر من الوجه والكفين تحديدًا دقيقًا، مما يدل على الصيانة للمرأة. وأيضاً فقد روي عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: "لا يَخْلُوَنَّ رجل بامرأة إلاّ ومعها محرم".


وأيضًا فإن الله تعالى بين الفرق بين من لها رغبة بالزواج، ومن انقطعت عنها رغبة الزواج، وهن القواعد من النساء فقال: (وَالقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ الَّلاتِي لَا يَرجُونَ نِكَاحًا فَلَيسَ عَلَيهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ)، وليس معناه غير متزينات، فالزينة مباحة للمرأة مطلقًا، وإنما غير مبديات زينتهن بشكل من شأنه أن يلفت نظر الرجال إليهن، فالنهي عن التبرج بالزينة، وليس عن الزينة. فهذه الأدلة كلها تدل دلالة قطعية على أن المرأة عِرض يجب أن يصان.


وبعد ذلك نجد الإسلامَ يحرِّم قَذْفَ المحصَنات الغافلات المؤمنات، ويعتبره كبيرةً مِن الكبائر، ومِن السبعِ الموبِقات، ويضَع له حدًّا: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). وقد حذر الله - سبحانه - الـمُحبِّين لإشاعةِ الفاحشة بالعذاب الأليم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).


الدليل السادس: ونهى الإسلامُ عن خَلوة الرجل بالمرأة الأجنبية إلا مع ذي محرَم لها: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: "اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ". (رواه البخاري)


الدليل السابع: وأيضاً فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخِر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلاّ ومعها محرم لها". وفي حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة وإني كتبتُ في غزوة كذا، قال: فانطلق فحُجّ مع امرأتك). فالرسول أخرجه من الجيش الذي سينفر للقتال ليصون امرأته.
وحرم الإسلامُ الاختلاطَ: قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ). قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن، فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب.


الدليل الثامن: كما نهى الإسلام وحرم تبرُّج النساء: قال تعالى: (وَلَا
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى). وفرض الإسلامُ الحجاب على المرأةَ. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ). وقوله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ). كما نهى عن التخنُّثِ للرجال، والترجُّل للنساء؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعَن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الـمُخنَّثِين من الرجال، والمترجِّلات من النساء"؛ رواه البخاري .
كل هذا وأكثر ليدل دلالة قطعية على أن المرأة في الإسلام هي عرض يجب أن يصان والحمد لله رب العالمين على نعمة الإسلام!!


كتبته للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية الأردن -
راية الإسلام


 

     
07 من ذي القعدة 1438
الموافق  2017/07/30م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد