قررت وزارة الأوقاف في الأردن أن تكون خطبة الجمعة الموحدة لتاريخ 11/10/2019 بعنوان (حُسن الظن بالناس قيمة اجتماعية وخُلق رفيع)، ولنا وقفات مع هذه الخطبة.
أولاً: إن الناظر في المواضيع التي تطرحها وزارة الأوقاف يرى أنها تنحى منحى بعيداً عن حقيقة الإسلام، إذ تحاول تكريس صورةٍ كهنوتية عن الإسلام لدى الناس، متناسيةً أن الإسلام جاء ليرعى شؤون الناس في شتى مناحي حياتهم، فجاء بنظام للحكم ونظام للاقتصاد وجاء بنظام اجتماعي وجاء بأحكام توضح السياسة الخارجية للدولة، وسياسة التعليم وغيرها.. فتركت وزارة الأوقاف كل هذا، وضخت خطبها حول الأخلاق وما يتعلق بها، مع أن مشكلة المسلمين اليوم هي في غياب الصرح الذي يُطبق عليهم أحكام الإسلام. وقد صدق العز بن عبدالسلام إذ قال: (ﻣﻦ ﻧﺰﻝ ﺑﺄﺭﺽ ﺗﻔﺸﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺰﻧﻰ فحدث ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺣﺮﻣﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎ فقد ﺧﺎﻥ).
ثانياً: لقد أمر الإسلام بحسن الظن بالناس واجتناب سوء الظن بهم وعدم تتبع عوراتهم، وحث على ذلك بنصوص كثيرة لبيان عِظم هذا الأمر، فقال الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ الحجرات: 12، وقال: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾ الإسراء: 53، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: «ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه، وأن نظن به إلا خيرا» رواه ابن ماجه، وعنه قَالَ: صَعدَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَم بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ منْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» رواه الترمذي.
ولقد سطّر الصحابة رضوان الله عليهم أزهى الأمثلة على ذلك، فهاهو أبو أيوب الأنصاري يقول لزوجته عندما سألته عمّا يخوض الناس في عِرض السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها: "ألا تسمع ما يقول النَّاس في عائشة؟" فأجابها: "بلى، وذلك الكذب، أكنتِ أنتِ يا أمَّ أيوب فاعلة ذلك؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، فقال: فعائشةُ والله خير منك، سبحان الله، هذا بهتان عظيم"، فأنزل الله تعالى بأبي أيوب وزوجته قرآناً يمدحهما ويمدح حسن الظن بالناس، قال الله تعالى: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: 12]. وفي غزوة تبوك دافع معاذ بن جبل رضي الله عنه عن كعب بن مالك، وأحسن ظنه فيه، عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا فَعَل كَعْبٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْن جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا» متفق عليه.
ثالثاً: لا بد من التفريق بين حسن الظن والسذاجة، فالمسلم كما هو واجبٌ عليه إحسان الظن بالناس، كذلك واجبٌ عليه أن يكون متيقظاً لما يُحاك له من أعدائه وعملائهم. فعندما يتصرف حاكم بتصرف مخالف للشرع لا يصح أن يُقال: "أحسنوا الظن به" فهذه من البلاهة التي توقع المسلمين أشد المهالك، بل الواجب حينئذ محاسبة هذا الحاكم وفق الشرع، وكشف كل خطة تحاك ضد المسلمين، وفضح عمالة هؤلاء الحكام على الملأ ... فالجرأة في كشف جرائم الدول، وبيان خطر السياسات الزائفة، وفضح المؤامرات الخبيثة، وتحطيم الشخصيات المضللة، هي أمور محمودة وعظيمة، لا بد من القيام بها، ولا علاقة لها بحسن الظن. كما قال صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله)
فيا أيها المسلمون... اعلموا أن الدول كلها عدوة للإسلام، لأنها تعتنق ديانات ومبادئ تناقض الإسلام، ولها وجهة نظر في الحياة تخالف بل تناقض وجهة النظر الإسلامية، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الحكام في البلاد الإسلامية كلهم عملاء للغرب الكافر المستعمر... فاعملوا لإقامة الدولة التي تطبق نظاماً ينبثق عن العقيدة الإسلامية التي تحملونها، ألا وهي دولة الخلافة الإسلامية، ويحكمها إمامٌ جعل ولاءه للإسلام ولأمة الإسلام لا للغرب الكافر المستعمر.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...)
والحمد لله رب العالمين.
|