الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد...
الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نتوجه إليكم بهذا النداء في أجواءِ شهرِ رمضانَ المبارك، شهرِ الصيام الفضيل الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، وكذلك قال ﷺ بشأنه في الحديث القدسي عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ...» أخرجه البخاري، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» أخرجه مسلم... وإنا لنسأل اللهَ سبحانهُ العليَ القدير أن تكون قلوبُكم مفتوحةً إلينا، وآذانكم تسمع لنا، فتستجيبوا لما نقول، ومن ثم تكونون من الذين قال الله فيهم ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَاب﴾.
أيها الإخوة الكرام، إنكم لا شك تسمعون وتشاهدون ما حلّ، ويحلّ، بنا من أحداث... فقد تكالبت الدولُ الكافرة المستعمرة علينا، فأصبحت بلادُنا مطمعاً لكل طامع، ومرتعاً لكل راتع، لا يجمع شتاتها جامع... سُفكت دماؤنا، ونُهبت خيراتنا، وانتُقصت أرضنا من أطرافها، بل من قلبها، فقد احتل يهود الأرض المباركة فلسطين، أرضَ الإسراء والمعراج، أرض أولى القبلتين، وأقاموا لهم فيها دولة، وعاثوا في الأرض الفساد والإفساد... شرَّدوا أهلها وأخرجوهم من ديارهم، وانتهكوا الحرمات، وقتلوا وسفكوا ولا زالوا يملأونها فساداً وإفساداً... وأمريكا سفكت الدماءَ ومزَّقت البلادَ في العراق وأفغانستان، وتآمرت علينا في كل مكان، فقسمت السودان، وفصلت تيمور الشرقية عن إندونيسيا، ومكَّنت اليونان من حكم غالب قبرص... وبريطانيا شاركت أمريكا في كل فساد فكانت إذا استطاعت وحدها أن تقتل وتسفك الدماء فعلت، وإن وجدت نفسها لا تستطيع شاركت أمريكا في الجريمة، سواءٌ أكانت ندَّها أم خلفها، وشاركتها في المجازر في العراق وأفغانستان وليبيا... وفرنسا تبعتهم في مجازرهم فشاركتهم في بعضها واستقلَّت في بعضها الآخر كأفريقيا الوسطى... ثم روسيا ومجازرُها في القرم والقوقاز والشيشان وتترستان... وكذلك الصينُ في تركستان وما تفعله من عداء للإسلام... ثم الهندُ في كشمير وما أدراك ما كشمير، فهم مسلمون يحكمهم الهندوس بالمجازر والجرائم... حتى صغارُ الدول شاركت في قتل المسلمين! فتلك بورما تقتل المسلمين وتنتهك أعراضهم ويتسلط البوذيون على المسلمين... وغير ذلك كثير.
وليست هذه الدماء تُسفك بأيدي الكفار المستعمرين فحسب، بل إن عملاءَهم وأدواتِهم من بني جلدتنا يقتتلون فيما بينهم، وتسيل دماؤهم، ويشاركهم في ذلك غيرُ الواعين من المسلمين وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، فيقتتلون في سوريا قتالَ ألدِّ الأعداء مع بعضهم، ويقتتلون في العراق كأنهم في الجاهلية الأولى... ويقتتلون في ليبيا قتالاً شرساً، وفي اليمن قتالاً عنيفاً... ثم في شيءٍ من قتال في مصر وفي تونس، كل ذلك بجرائِمَ لم يحدث مثلُها من قبل بأيدي المسلمين في قتل بعضهم بعضاً... وغير ذلك كثير.
وليست هذه الدماءُ المادية هي فقط التي تنهش أجسام المسلمين بأيديهم وبأيدي الكفار المستعمرين، بل كذلك هناك من السفك والقتل الذي لا يُسيل جُرح الأجساد، بل يفتك في العقل والفؤاد، فقد بذل الكفارُ المستعمرون ما وسعهم من وسائلِ التضليل، والمكرِ والكيد وصنوف الشر تجاه الدعوة إلى الخلافة والعاملين لها، أحياناً مباشرة من الكفار المستعمرين، وأحياناً على أيدي عملائهم، فلما خاب مسعاهم في النَّيل من العاملين للخلافة، وبان فشلُهم في صرف المسلمين عن فرض الخلافة قام نفرٌ من المسلمين فصنعوا ما لم يستطعه الكفار المستعمرون، فعقدوا مؤتمراتٍ ومؤتمرات يحرِّفون فيها الكَلِم عن مواضعه، ويقولون إن الخلافةَ حدثٌ تاريخي وليس حكماً شرعياً واجباً في الإسلام... وقام غيرهم فصنعوا أكثر من ذلك في حرب الخلافة، فشوَّهوها باسمها، وارتكبوا المجازر والجرائم تحت عنوانها، فزعموا خلافةً على غير وجهها، وقاموا باسمها بما لا يخطرُ من مساوئَ على ذهن بشر، فهيأوا الطريق للكفار المستعمرين ولكل أعداء الإسلام، ومهَّدوها لتُستغلَّ تلك الجرائمُ، ويتمَّ إبرازُها للناس على أن الخلافةَ هي جرائمُ بعضُها فوق بعض، ومن ثم يكرهُ الناسُ الخلافةَ، ويبتعدون عنها فتكون على غير ما هي في أذهانهم مشرقةً عظيمةً، بل مظلمةً قميئةً! وهكذا... فحالُ المسلمين اليوم ظلماتٌ بعضها فوق بعض، وليست هذه الظلمات بأيدي الكفار المستعمرين فحسب، بل يشاركهم فيها، أو يفوقهم فيها، منتسبون إلى الإسلام، فيسيئون إليه رافعين شعاراً ضده، أو يسيئون إليه رافعين شعاراً باسمه!!
أيها المسلمون بعامة... ويا أهلَ القوة والمنعة بخاصة...
إن حالنا يُعيد عصر الجاهلية الذي كان فيه العرب، يقتتلون بينهم أربعين سنة من أجل ناقة، ويئدون البنات وهن أحياء، ويصنعون أصناماً ينحتونها بأيديهم من الحجر والخشب يعبدونها، بل أحياناً يصنعونها من التمر فإذا جاعوا أكلوها! كانوا يسيحون في الصحراء دونما قضية يحملونها لأهلهم أو لمن حولهم ناهيك عن حملها للعالم... أما المتحضرون منهم فكانوا تبعاً للدول الكبرى آنذاك، فالمناذرة في العراق تبع للفرس، والغساسنة في الشام تبع للروم، فإذا انزعج الروم من الفرس أو الفرس من الروم تقاتل الغساسنة والمناذرة! وهكذا كان العرب في ذلك الوقت، سواء أكانوا عرب الصحراء أم كانوا عرب المدن المتحضرين... إلا مكة فقد حفظها الله آمنة رغم الأصنام بعدد أيام السنة التي كانت تحيط بها!
هكذا كان عرب الصحراء في الجاهلية، يسفكون دماءهم بأيديهم، ويقتتلون فيما بينهم ليس لشيء ذي بال بل لعصبية مقيتة... والمتحضرون منهم يقتتلون في كثير من الأحيان لمصلحةٍ تُهمُّ الدول الكبرى آنذاك، فكانوا ممزقين لا يجمعهم جامع، ولا يمنعهم من كثير من الموبقات مانع، فحالهم كان أشبهَ بحالنا اليوم، أو حالنا اليوم يشبه حالَهم أمس، ومع ذلك فكانت عند حكامهم أو رؤساء قبائلهم مروءة، وكان عندهم حياء، وهذان ليسا موجودين اليوم عند الحكام في بلاد المسلمين أو الزعماء فيها، ودليل ذلك ما كان من أمر الأربعين رجلاً الذين أرسلهم المشركون لقتل رسول الله ﷺ، فذهبوا ليلاً إلى بيت الرسول ﷺ فوجدوه مقفلاً، فانتظروا حول البيت إلى أن يفتح الرسول ﷺ بيته فيقتلوه لأن مروءتهم كانت تمنعهم من أن يقتحموا البيت فيدخلوه عَنوَة، وحياءَهم كان يمنعهم أن يدخلوا بيتاً وأهلُه نيام، وحكامُ اليوم وجواسيسهم ينتهكون الحرمات، ويقتحمون البيوت بلا إذن أو استئذان، ودون أن يرفَّ لهم جَفن من الأجفان، ويروِّعون النساءَ والأطفال، فيفزعون من نومهم، ويرتجفون من خوفهم، وذلك لأن حكام اليوم وجواسيسَهم، قد فقدوا المروءة والحياء، وصدق رسول الله ﷺ: «... إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» البخاري.
أيها المسلمون بعامة... ويا أهلَ القوة والمنعة بخاصة...
لقد بُعث رسول الله ﷺ بالإسلام فأنهض العرب من تلك الجاهلية المظلمة، أنهضهم بعد سقوط، وأقامهم بعد قعود، وأيقظهم بعد رقود، وأصبحوا يجاهدون في سبيل الله، ويحملون معهم رسالةً عظيمة تنشر الخير والعدل في العالم حيث حلّوا... فقد كتَّل سرّاً رسولُ الله ﷺ من آمن في دار الأرقم بن الأرقم، وبعد بضع سنين أعلنهم متفاعلين مع الناس، صادعين بالحق في وجههم، في صراع فكري وكفاح سياسي، لا يخشون في الله لومة لائم... يصبرون على الأذى ويقتحمون الصعاب دون أن تضعف لهم عزيمة أو تلينَ لهم قناة... حتى إذا كان ذلك العام الذي سمي عامَ الحزن حيث توفي أبو طالب عم الرسول ﷺ الذي كان يحميه، وانتقلت إلى الرفيق الأعلى أمُّ المؤمنين خديجةُ رضي الله عنها زوجُ رسول الله ﷺ التي كانت تؤويه... في عام الحزن هذا أكرم الله رسوله ﷺ بأمرين فيهما عزُّ الدنيا والآخرة، وكان ذلك من البعثة في السنة العاشرة، أكرمه سبحانه بالإسراء والمعراج فأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعرج به إلى السموات العلى، وأوحى إلى عبده ما أوحى... أما الأمرُ الثاني فكان الإذنَ لرسول الله ﷺ بطلب النصرة التي تُوِّجت ببيعة العقبة الثانية، بيعةِ النصرة، بيعةِ الحكم، وكان ذلك في ذي الحجة من السنة الثالثة عشرة للبعثة، ومن بعدُ هاجر الرسول ﷺ في ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة، وأقام الدولةَ وعزَّ الإسلامُ والمسلمون وكانت حدثاً عظيماً... حتى إن المسلمين عندما أرادوا أن يتخذوا تاريخاً جمعهم عمر رضي الله عنه وتدارسوا الأمر فوجدوا أن الهجرةَ وإقامةَ الدولة هي حدثٌ عظيم عظيم يستحقُّ أن يكونَ بدايةَ التاريخ الإسلامي... وهكذا أقيمت دولة الإسلام، وأنار الإسلامُ جزيرة العربِ وأطرافَها، ثم كانت الخلافةُ الراشدة، والخلفاءُ من بعدها، واتسع الفتح والفتوح وعمّ الخيرُ أصقاعاً كثيرة من العالم، من مشارق الأرض إلى مغاربهها، من إندونيسيا شرقاً إلى المحيط غرباً، ولو علم المجاهدون حينها أن بعد المحيط أرضاً لخاضوه لفتح تلك الأرض ونشر الخير فيها كما قال قائلهم عقبةُ بنُ نافع وهو يدخل بفرسه شاطئَ المحيط الأطلسي، قال: "اللهم لو كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضا لخضتُه إليها". وفي رواية: وقد أقحم فرسه فيه حتى بلغ نحره، ثم قال: "اللهمّ إنى أُشهدك ألّا مجاز، ولو وجدت مجازا لجزت".
واستمر حال المسلمين عزاً فوق عز، وعلواً فوق علو... وعلم الكفار المستعمرون أن سبب عز المسلمين هو حكمُهم بالإسلام في ظل دولة الخلافة، ورايةِ العُقاب، رايةِ لا إله إلا الله محمد رسول الله، فبذلوا الوسع لهدم تلك الدولة، وكان رأسُ الكفر آنذاك بريطانيا فعملت منذ بداية القرنِ الثامنَ عشرَ إلى أن تمكنت من هدم دولة الخلافة في الربع الأول من القرن العشرين الميلادي بعد أن استخدمت في ذلك خونةَ العرب والترك... ومن ثَمّ أصبح المسلمون مِزَقاً يطأُ بلادهم كلُّ أعداء الإسلام من الدول الكبرى وحتى الدولِ الصغرى...! يساء إلى القرآن فلا يتحركون، ويساء إلى رسول الإسلام ﷺ فلا تغلي الدماء في عروقهم، وتُنتهك الحرماتُ والمقدسات وجيوشُهم رابضة في ثكناتها لا يحركها الحكام إلا ضد الناس، فيستأسدون على الضعفاء ويحيط بهم الجبن والاستخذاء أمام الأعداء حتى وصل الحال إلى ما نحن عليه اليوم!!
أيها المسلمون بعامة... ويا أهلَ القوة والمنعة بخاصة...
إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلحَ به أوله، حكمٌ بالإسلام في دولةِ خلافة راشدة، تُظلُّها رايةُ العقاب، رايةُ رسول الله ﷺ، بالطريقة نفسها التي بلّغ الرسول ﷺ رسالة الإسلام بها، بإيجاد كتلةٍ قائمة على الإسلام وليس غير، ومن ثَمَّ تفاعلُها مع الأمة وطلبُ نصرةِ أهل القوة فيها، وأن تستمرَّ عليها حتى ينصرَها الله سبحانه وتعالى وتقيمَ حكمَ الإسلام ودولةَ الإسلام. هذا هو صلاح الأمر، وبهذا وحده تنهضُ الأمةُ من سقوطها، وتقومُ من كبوتها، وتعود سيرتَها السابقة، خلافةً راشدةً، تطبقُ الإسلام في الداخل وتحملُه للعالم بالدعوةِ والجهاد، فينصرُها اللهُ العزيز الحكيم ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
وضرورةُ العملِ لإقامة الخلافة ليس لأن الخلافةَ هي طريقُ النصر فحسب من باب وصف الواقع، بل لأنها في الدرجة الأولى فرضٌ عظيم، أُمُّ الفروض، تاج الفروض، فبها تقام الأحكام، وتحدُّ الحدود، وبدونها لا تطبق الأحكام على الناس ولا تقام بينهم الحدود، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب... وإقامةُ الخلافةِ وإيجادُ الخليفةِ فرض، وأيُّ فرض، فمن لا يعمل لإيجاده وهو قادرٌ فإثمه عظيم كأنه مات ميتة جاهلية للدلالة على شدة الإثم «... وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»... وإقامة الخلافة وإيجاد الخليفة فرض، وأي فرض، فقد شَرَع المسلمون بها قبل أن يشرعوا بتجهيز رسول الله ﷺ ودفنه صلوات الله وسلامه عليه، على أهمية ذلك وعظمته، وكل ذلك لعظم الخلافة وأهميتِها حيث رأى كبارُ الصحابة أن الاشتغال بها أولى من ذلك الفرض الكبير: تجهيز الرسول ﷺ.
ثم بالخلافةِ تُفتح الفتوح بقيادة الخليفة، الإمام، «... وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ...»، فالخليفةُ والخلافة جُنة، أي وقاية، ومن كانت له وقاية، فهو بإذن الله منصور في النهاية، لا تضيع حقوقُه، ولا بلاده، ولا يجرؤ أن يقتربَ منه أعداؤه. وينطق بهذا تاريخ الخلافة، فأين بيزنطةُ وصولجانُها؟ وأين المدائن والأكاسرة؟ ثم من مدَّ الصوت بالتكبير في تلك البقاع الممتدةِ على طول الأرض وعرضِها من المحيط إلى المحيط لولا دولةُ الإسلام وجندُ الإسلام وعدُل الإسلام؟ ولو علمت الخلافةُ أرضاً وراء المحيطين شرقاً وغرباً لخاضت عُبابَهما تدعو إلى الله الرحمن الرحيم العزيز الحكيم.
أيها المسلمون بعامة... ويا أهل القوة والمنعة بخاصة...
لقد ناديناكم من قبل مرتين:
• الأولى في العشرين من ربيعٍ الثاني 1385ه الموافق للسابع عشر من آب-أغسطس 1969م، أي كان هذا قبل نحو خمسين سنة...
وكان ذلك النداءُ عبارةً عن دقِّ ناقوس الخطر من زعزعة أفكار الإسلام وأحكامه عند المسلمين حيث كان لهذه الزعزعة واقعٌ يتفاعل بشكل ملحوظ بين ظَهرانَي المسلمين! ولأن الحزب هو الرائدُ الذي لا يكذب أهلَه فقد كافح الحزب ما وسعه إلى ذلك من سبيل لإعادة الثقة بأفكار الإسلام وأحكامه، وقد نجح في ذلك نجاحاً ملحوظاً كذلك، فالحمد لله رب العالمين.
• وناديناكم في المرة الثانية في الثامن والعشرين من رجب 1426ه، الموافق للثاني من أيلول-سبتمبر 2005م، أي قبل عشرِ سنوات...
وقد كان النداء في أجواءٍ ساخنة، فإن الغرب وعلى رأسه أمريكا لما رأوا أن زعزعة الثقة التي عملوا لإيجادها بين المسلمين سنواتٍ وسنوات قد نجح الحزب والمخلصون الآخرون من المسلمين، قد نجحوا في إزالة هذه الزعزعة عند جمهرة المسلمين، وأنَّ خطواتِ المسلمين تسير نحو العمل للخلافة، لما رأوا ذلك زادت هجمتُهم على الحزب، مباشرة أحياناً، وبأيدي عملائهم أحياناً أخرى، وأضافوا لذلك حروباً أعلنوها صليبية في العراق وأفغانستان حقداً على الإسلام والمسلمين، فكان نداؤنا االثاني نبين فيه عداوةَ الغرب، وعلى رأسه أمريكا، للخلافة والعاملين لها بخاصة، والمسلمين بعامة، وأنَّ أعداء الإسلام يريدون أن يعوِّقوا خطا المسلمين نحو الخلافة، ثم بيّنا أن المسلمين قادرون على هزيمتهم إذا ما التزم المسلمون أحكام الإسلام وأخلصوا لله دينهم... وأنابوا إليه سبحانه القوي العزيز.
• ثم كان هذا النداءُ قبل الأخير نتوجهُ به إليكم في وقتٍ أصبحت فيه الخلافةُ رأياً عاماً عند جمهور المسلمين...
ولم يبقَ إلا أن يأذن اللهُ بأنصارٍ كالأنصار، وبسعدٍ وسعد... رجالٍ ينصرون دينهم بنُصرة العاملين للخلافة، بنصرة حزب التحرير، نصرةً تعيد الخلافةَ الراشدة الثانية، خلافةً على منهاج النبوة بعد هذا الملك الجبري الذي نحن فيه تحقيقاً لوعد الله سبحانه ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ ولبشرى رسول الله ﷺ بعد هذا الملك الجبري «...ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ».
- هذا النداء قبل الأخير نتوجه به إليكم ونحن نحب الخير لكم، فسارعوا أيها المسلمون، سارعوا يا أهل القوة، التحقوا بالدعوة والنصرة، وسارعوا إلى إقامة الخلافة مع الحزب، لا أن تشهدوها منه فحسب، والخيرُ والأجرُ الذي تنالون في التحاقكم بالصفوف اليوم ليس كالخير والأجر في التحاقكم بالصفوف بعد اليوم حتى وإن كان في كلٍّ خير ﴿لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
- هذا النداء قبل الأخير نتوجه به إليكم فلا تخشَوا إلا اللهَ العزيزَ الجبار ولا تقولوا "ستقفُ في وجهنا أمريكا والغربُ من خلفها إن نصرناكم"، فإن وِقفتَهم ستنهار وظهرَهم سينكسر أمام من آمن وآوى ونصر ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
- هذا النداء قبل الأخير نذكِّركم فيه بعزكم وذل أعدائكم، فأنتم المسلمون، المؤمنون بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبياً... أنتم أقوياءُ بربكم ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾، أعزاءُ بدينكم ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾... أنتم أحفادُ الراشدين، أحفادُ فاتحي الأندلس وناشري الحضارة الإسلامية فيها... أحفادُ المعتصم الذي قاد جيشاً لجباً لإغاثة امرأة ظلمها رومي فقالت وامعتصماه... أحفادُ الرشيد الذي أجاب ملك الروم لنقض عهده مع المسلمين بجيش يراه قبل أن يسمعه... أحفادُ الناصر صلاحِ الدين قاهرِ الصليبيين... أحفادُ قطز وبيبرس قاهرَيِ التتار... أحفادُ محمد الفاتح الأميرِ الشاب الذي شرَّفه الله بفتح القسطنطينية «... فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ» كما قال ﷺ.. أحفادُ الخليفةِ سليمانَ القانوني الذي استغاثت به فرنسا لفك أسر ملكها... أحفادُ الخليفة سليم الثالث، الذي في عهده دفعت الولايات المتحدة الأمريكية ضريبةً سنويةً لواليه في الجزائر للسماح للسفن الأمريكية أن تمرَّ بأمانٍ في البحر المتوسط... أحفادُ الخليفة عبد الحميد الذي لَم تُغره الملايينُ الذهبية التي عرضها اليهود لخزينة الدولة، ولَم تُخِفْه الضغوط الدولية التي استقطبوها ضده للسماح لهم بالاستيطان في فلسطين وقال قولته المشهورة "إن عمل المبضع في بدني لأهونُ علي من أن أرى فلسطين قد بُترت من دولة الخلافة... فليحتفظ اليهود بملايينهم... وإذا مُزِّقت دولةُ الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن" فكان بعيدَ النظر رحمه الله، فهذا ما حدث بعد زوال الخلافة حيث أضاع الحكام العملاءُ فلسطين وسلموها لليهود، بل ويحرسونها لهم... هذا الخليفةُ رغم شدة تآمرِ الكفار عليه وعلى الدولة الإسلامية، فقد اضطُّرت بريطانيا التي كانت عظمى آنذاك، أن تقدم اعتذاراً رسمياً لسفارته في لندن لأن أحد المواطنين الإنجليز نشر شيئاً اعتُبر عدائياً للإسلام في أواخر القرن التاسعَ عشر (1890م)، في حين أن القرآن الكريم، كلامَ رب العالمين، (يُدنَّس) الآن بأيدي الغرب الكافر ويهود، فلا أيَّ اعتذار، بل لا أيَّ شيء من اعتذار، لأنه لا خليفةَ للمسلمين يتخذُ القرآن دستوراً ويحركُ الدولةَ بكل ما تملك في وجه الكفار الذين يسيئون إلى القرآن الكريم ولو بشيءٍ من شيء من إساءة!
هكذا هي الخلافةُ، وهكذا هم المسلمون في ظل الخلافة... وأولئك هم أجدادُكم أيها المسلمون وتلك فعالُهم، وأنتم أحفادُهم، فهلمَّ إلى الحق الذي اتبعوا فاتبعوه، وإلى العز الذي صنعوا فاصنعوه.
- هذا النداء قبل الأخير نؤكد لكم فيه ما سبق أن قلناه بأنكم بإذن اللهِ قادرونَ على هزيمة أعدائكم، فإن الدول الكافرةَ المستعمرةَ ضخمةُ المظهر واهنةُ المخبر، إن لديها أسلحةً كبيرة ولكنها لا تملك الرجالَ الكبار، والسلاحُ دون رجالٍ ضعيفُ الأثر أمام فئةٍ مؤمنة تتسلحُ دون سلاحِ العدو ولكنها أشد منه بأساً... إنها لحقيقةٌ تنطق بها حروبُ الخلافةِ مع الكفار الأعداء، فَتَفَوُّقُ السلاح المادي وحده لا يحسم الحربَ مع المسلمين حتى وإن قَلَّ سلاحُهم المادي، لأن لديهم عقيدةً حيةً صادقةً توفر لهم طاقةً قتاليةً لا يدركها الطغاةُ وعلى رأسهم اليوم أمريكا... ولكنهم سيرونها رأي العين عندما يبزغ فجر الخلافة بإذن الله وتتقدم من نصر إلى نصر، فينكفئ الطغاة إلى عقر دارهم، هذا إن بقي لهم عقر دار... ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾.
- هذا النداء قبل الأخير نتوجه به إليكم: نستنصركم فانضموا لمن سبقوكم بنصرتنا، ونمدُّ إليكم أيديَنا فشدوا عليها والحقوا بأهل مَنَعتِنا، فقد أوشك الركبُ أن يسير فشاركونا المسير ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ ونحن مطمئنون بنصر الله ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.