تعيش البشرية في هذه الأيام ويلات تجر ويلات، فمن حرب إلى حرب، ومن نزاع إلى نزاع، حتى وصلت بها إلى الهاوية. عندما نقول البشرية فلا نستثني بها أحدًا، فالناظر المدقق إلى حالها يرى الخراب والدمار الذي خُلف إما جراء الحروب، أو جراء النزاعات التي هي نتاج النظام العالمي الحالي الذي يحكمها، والذي أورثها وبال ما هي عليه.
من كل ما سبق بالإضافة إلى ضيق العيش، فمد نظرك إلى ما شئت، وأينما شئت تر هذا ظاهرًا بائنًا واضحًا لا ينكره إلا أعمى القلب والبصيرة. وها هي صراخات الأمم والشعوب تعلو حتى بلغت عنان السماء، وملأت جنبات الكون فينظر الناس يمنة ويسرة لعل هذه الصرخات تصل إلى من ينقذهم مما هم فيه. والناظر العاقل المدرك لما يحصل للبشرية نظرة استنارة يعلم، بل يؤمن بأن ما يحصل إنما هو من جراء هذا النظام الرأسمالي العفن الذي بان عواره، وأنتنت جنباته فلا ماؤه يروي، ولا شمسه تنير - إن كانت شمسٌ أصلا - ولا أرضه يمشى عليها، فهي أرض خربة، فإن سرت بها في أي اتجاه أصابك وبالها، فمن مستنقعٍ إلى رمالٍ متحركةٍ، إلى صخر جارح ٍلا يوجد فيها موطئ قدم إلا أدماك أو أغرقك.
فهذا النظام الذي بني على عقيدة فصل الدين عن الحياة، وجعل الإنسان الذي هو عاجز وناقص ومحتاج يضع تشريعه لحياته بنفسه، لم ينتج إلا أنظمة أخذت صفته من النقص والعجز والاحتياج، محدودة لا تصلح لشيء، والواقع التي تتجرعه البشرية ليلًا نهارًا أكبر دليل على ذلك، وأضف إلى ذلك فإن هذه الأنظمة التي هي من وضع البشر تخدم فئة معينة منهم، وهذه الفئة وهم (الظلامييون) - إن جاز التعبير - لم ولن تسمح للبشرية أن تزيل تراب ظلمهم عن هذه البشرية المتخبطة، فإلهاء بعد إلهاء، وضربة موجعة تلحقها أخرى قاتلة، فهذا دأبهم وديدنهم، وهذه عقيدتهم لذلك، وبعد هذا السرد ووصف الحال، فإن البشرية تحتاج إلى منقذ ينقذها مما هي فيه. ينقذها من هذا الغرق، وستمد يدها إلى من ينقذها حتى لو كانت قشة وبما أنها (البشرية) تنتظر من ينقذها، وهو فعلًا موجود، وسينقذها إلى بر الأمان بحبل قوي متين، لا ضعف فيه ولا عيب، لا ينقطع، ولا تشوبه شائبة، يصلح للبشر كل البشر، وفي كل وقت، وفي كل زمان، وهو الحل الوحيد الأوحد.
هذا الحل الذي ذكرته إنما هو الإسلام، فهو عقيدة عقلية أقرَّت بأن الإنسان عاجز، وناقص، ومحتاج يستند إلى غيره في وجوده، وأن هذا الإنسان إنما هو كائن ضعيف فلا يستطيع أن يصبر على جوع، أو عطش، وإن حجب عنه أي شيء مما سبق أدى به إلى الموت والهلاك، وهذه العقيدة بنيت على أن الإنسان مخلوق لخالق أوجده من عدم، وأورثه الأرض حتى يسير فيها مطمئنًا، آمنًا، سعيدًا، يتبوأ منها ما يسعده ويوصله إلى بر الأمان، ويوصل البشرية إلى هناءة العيش، ولا يكون لنا هذا إلا إذا سرنا على نظام معين فريد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قوي متين.
وهذا النظام الفريد إنما خرج من أصل العقيدة الصحيحة، وانبثق عنها فحمل صفاتها، فكان بذلك قادرًا على حمايتها، وتثبيتها، وحماية وإنقاذ من يحملها من البشر. ومن هذا فإن الإسلام الذي هو عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام، قادر ولديه كفاءة عالية في إنقاذ البشرية كلها من الظلام والظلاميين، ويخرج الناس كل الناس مسلمين وغير مسلمين من دناءة العيش والظلام الذي أعماها إلى رغد العيش، إلى نور ما بعده نور، ذلك بأنهم ساروا على نظام قد وضعه لهم ربهم الذي هو أعلم بحالهم وأعلم بما يصلحهم وأدرى بما ينجيهم في الدنيا والآخرة.
ولنا في هذا واقع عاشته البشرية قبل أن يقوم الظلاميون الذين لا يرجون للبشرية السلامة وهناءة العيش، وذلك قبل أن تهدم دولة الخلافة الإسلامية التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قرون، أخرج فيها العباد من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد، استمرت قرونًا ملأت كل مكان وصلت إليه أمنًا، وأمانًا، وطمأنينة، أنارت للبشرية طريقها، فجعلت المسلمين سادة الأمم أخرجوا أنفسهم، وأخرجوا غيرهم من الظلمات إلى النور، حتى إن أصحاب الأديان الأخرى ذاقوا لذة العيش ضمن هذه الدولة التي تطبق نظامًا فريدًا، أتى من الله، أتى من لدن عليم حكيم عليم بحال البشر وبما يصلحهم.
إن ما ذكرته سابقًا هو ظاهر بين واضح، لا يختلف فيه العقلاء، ولكن يحتاج إلى تمعن، وأخذ على محمل الجد بالعمل على إنقاذ البشرية مما هي فيه، وهي دعوة صادقة إلى كل البشر، فهي دعوة إلى حملة الدعوة أن يبذلوا الوسع في العمل لإعادة حكم الله وشرعه، ودعوة إلى المسلمين أن يلتفوا حول هذه الدعوة، دعوة لكل البشرية أن تزيل عن نفسها تراب الرأسمالية، وتلفظ هذا النظام الرأسمالي، وتقوم بدفنه لأنه الآن في سكرات موته وتتجه إلى النظام العالمي الإسلامي القادم بإذن الله الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية الأردن الأستاذ أبو فاروق
|