أكثر من مليار مسلم يتوقون شوقًا، ويدعون الله أن يفرج عنهم هذه الكروب، فهم في ضنك عيش، وخوف، وكسر خاطر مع أن لديهم أعظم ما في الوجود وهو خلاصهم - القرآن الكريم وسنة نبيهم- بمشروع نهضة عظيم به كانوا خير الأمم حملوا السعادة والطمأنينة، وراحة البال إلى الأمم التي تحت نظام الإسلام ومشروعه. إلا أنهم وبعد غياب دولتهم المتمثلة بنظامهم ومشروعه لا يدركون الطريق الذي يعودون به إلى موقعهم المناسب الذي أراده الله لهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس) أو أنهم لا يريدون إدراكها أو يدركون طريقًا خاطئًا . أما كونهم لا يدركون الطريق؛ فهو ناتج عن تضيع الإسلام السياسي في أنظمته العملية، وعدم تطبيق هذه الأنظمة في حياتهم، فهم لا يعرفونه عمليًا، ولم يتعلموه في سياسة التعليم.
وقد مورس عليهم غسيل دماغ أدى إلى تحجر عملية التفكير عندهم، وحصرها في صندوق ضيق لم يعتادوا على أن يخرجوا منه . أما كونهم لا يريدون إدراكه فهذا ناتج عن خوفهم من الأنظمة القابعة على صدورهم في كل شؤون حياتهم، وكذلك ما يرونه من قمع وقتل، وحجز لكل من يحاول السير في الطريق الصحيح. مع أنهم يقرءون قوله تعالى: (إِنا أنزَلنا التوْرَاةَ فيها هدًى وَنورٌ يحكمُ بها النبيونَ الذِينَ أَسلموا للذِينَ هادُوا وَالرَّبانيونَ وَالأَحبارُ بما استُحفظوا منْ كتابِ اللهِ وَكانوا عليهِ شهداءَ فلا تخشوُا الناسَ وَاخشوْنِ وَلا تشترُوا بآياتي ثمنا قليلا وَمنْ لمْ يحْكمْ بما أَنزَلَ اللهُ فأُولئكَ همُ الكافرُونَ). وقد يدركون طريقًا خاطئًا ناتجًا عن الكثير من التضليل والخيانات، وغياب منابر يوجه من خلالها الحق والنصح المخلص. وأستطيع القول: إن كثيرًا من هذه المعوقات والتي تقف حاجزًا أمام الاهتداء إلى طريق الخلاص قد بدأت تتلاشى، فالتضليل والخيانات كشف منه الكثير. والخوف عند الكثيرين قد اضمحل، ووسائل التواصل الاجتماعي ساعدت كثيرًا على التخلص ولو من شيء من غسيل الدماغ. ولكن بعض الخوف، وبعض الجهل ما زال عالقًا في عقول وقلوب الكثيرين من المسلمين بل أكثرهم .
والجانب الهام هنا هو شعور الكثيرين من المسلمين براحة البال والطمأنينة حتى لو في حدها الأدنى، فيكتفوا بهذه الراحة النفسية، مما جعلهم لا يدركون طريق الخلاص والعودة إلى مكانتهم التي خلقوا من أجلها، فالكثير من المسلمين يقرءون القرآن، بل ويحفظونه، والعديد منهم يحافظون على صلواتهم بالمساجد. ويحجون إلى بيت الله لأداء الفريضة، ويعتمرون كل عام، وهذا يشعرهم بشيء من رضا الله كونهم قد أقاموا العديد من الفروض، والكثير من السنن، ونلاحظ في هذه الفترة توجه الكثير من المسلمين إلى باب الصدقات، ويهتمون بالزكاة ويكثرون من الدعاء؛ لعلمهم أن هذه الأموال تخفف من الضنك والفقر الذي يعيشه المسلمون ويدركوا أن الله مجيب الدعاء، ويعلمون قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشد بعضه بعضًا"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". وقوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
يدركون معنى هذه الأحاديث، ويشعرون ببعض الرضا وراحة البال عند القيام بهذه الفضائل، وهذا جعلهم يحتفظون ببعض الخوف، وعدم السعي للوصول إلى طريق الخلاص من هذا الواقع المرير. وهنا يكمن الخطر فعندما يظن المسلم ولو خاطئا أنه قام بما هو عليه يكتفي ويركن إلى الدنيا ليأخذ نصيبه منها. وهنا لا بد من توضيح أن هذا لا يحقق حتى ما جاء في الأحاديث التي ذكرت .
ولنأخذ قول رسولنا الكريم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". الحب مكانه القلب، ومحركه العقل، وعلَّمنا ديننا أن الحب حتى يتحقق لا بد أن يترجم عمليًا بالوصل والطاعة، وإزالة الضيق ورفع الأذى عمن نحب، وعدم التخلي عنه وقت الحاجة، وهو شعور غريزي نظمه الخالق من خلال ديننا الإسلامي العظيم، فكيف نترجم هذا الحب لكل المسلمين؟ قطعًا لا تكفي الأموال التي تجمع، ولا الدعاء الذي ينادى به، ولا يقال: إن هذا ما يستطيعه المسلم. فنفي الإيمان عن المسلم قرينة أن الحب يجب أن يترجم عمليًا. وعليه يجب البحث عن الطريق الذي يزيل البلاء عن المسلمين. وقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشد بعضه بعضا". وقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد ؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". إن ضعف جزء من البناء يؤثر على البناء كله. وكسر جزء منه يكسر بقيته، والتشبيه أقوى وأبلغ من القول المباشر، والقرائن التي تصرف هذا التشبيه إلى طلب على وجه الوجوب كثيرة ليس هنا بحثها. أين نحن من الإسلام؟ هل بصلاتنا وقيامنا وحجنا وقراءة قرآننا وكثرة دعائنا نكون قد طبقنا إسلامنا؟ هل نكون قد كسبنا رضا الله، وراحة البال والطمأنينة. فإذا لم تكن مرتاح البال، ومطمئنًا فاعلم أخي أنك تعلم بأن هناك الكثير لم تقم به وأنك تعلم ما هو مطلوب منك وأنك لم تتلبس به.
يقول الله في كتابه العزيز: (وَالذِينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ وَآمنوا بما نزِّلَ على محمدٍ وهوَ الحقُّ منْ رَبهمْ كفرَ عنهمْ سيئاتهمْ وَأَصلحَ بالهمْ). صدق الله العظيم. والبال نكرة غير معرفه، وهي كل ما يخطر على القلب أو يفكر به الإنسان، والبال كما جاء في معجم الوسيط هي الحال والشأن، أي أن الله يصلح حال وشأن من يؤمن به، ويعمل الصالحات، ويؤمن بالحق، وهو القرآن الكريم. والإيمان بالحق يعني العمل بكل ما جاء بِهِ (القرآن الكريم وسنة نبيه) وليس مجرد الإيمان لأن الخطاب أصلا للمؤمنين. الله الله أيها المسلمون، فو الله إنها غمة ستزول بإذنه، فهذا دينه، وهذا مشروعه، فلنتكاتف، ولنأخذ بالهمة مشروع نهضة هذه الأمة، فو الله لا قوة تنقصنا، ولا خوف يمنعنا، ولا دنيا تبقى لنا. والآخرة خير وأبقى!!
كتبه للمكتب الإعلامي ولاية الأردن الأستاذ عادل صبح
|