لقد تكفل الله عز وجل لهذه الأمة بأن لا يُفنيها أعداؤها، ولكنه سبحانه تركهم فيما بينهم إن تركوا شرعهُ أن يكونوا أعداءً، فتشتعل النار بينهم، وما يجري في كثير من بلاد المسلمين المشتعلة لا يخرج عن ذلك.
لو نظرنا بشيء من التدَّبر إلى أحوال المسلمين، لوجدنا أمرًا شديدَ السوء ولا بد من التوقف عنده. وذلك الأمر أن الاقتتال دائر بين المسلمين وهم أدواته وهم ضحاياه، وأنهم لا يلتفتون إلى أسباب ذالك ولا إلى الدواء والعلاج الذي يخرجهم مما هم فيه من البلاء.

يقولون: "ديننا الإسلام" ولا يحكمونه فيما شجر بينهم، فإسلامهم إسلام هوية, وليس بعد إسلام عقيدة وحياة، فالإسلام لا يُتَّخَذ منهج حل وسياسة، يقولون: "يقول الحق سبحانه وتعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا. ولكن هي ألفاظٌ لا تُجاوزُ حناجرهم.

يُخاطب حزب التحرير المسلمين بالإسلام، أن اجعلوا الإسلام في حياتكم، عالجوا به قضاياكم، اجعلوه الحكم بينكم، هل سمع أحد من المسلمين أصحاب الرأي أو القرار أو حملة السلاح أو دافِعوا الأموال السياسية والمعونات الإنسانية، هل سمع أحد منهم تلك النداءات الساخنة الملتهبة أن اتقوا الله سبحانه, واجعلوا دينه وشريعته المُسِّيِرَ لحياتكم وأمانيِّكُم فإذا سمع أحدٌ هل قَبِلَ به وأخَذهُ وجَعَلهُ بين عينيه؟!
النتيجة العملية ... لا أحَدَ ذو بال!!! فالإسلام الآن عمليًا ليس محل التطبيق, فلا نظر ولا اعتبار, وأقصد حِرَفِيَة النظر أي الأخذ السياسي العملي المؤثر بواقع النِّزاعات والمعارك والاختلافات, وكأنك تنفخ في قِربة ممزقة.

الأنظمة والحكام لا يعنيهم أن يعالج الآمر على طريقة الإسلام, بل الحل عندهم يؤخذ من الواقع, والواقع يقول: إن الأمة مفتته بدويلات تابعة للشرق والغرب، وإن الغرب والشرق هم أصحاب المصالح في بلاد المسلمين، إذن الحل لا يكون إلا بمراعاة مصالح الشرق والغرب، والإبقاء على هذه الدويلات المرتبطة بمصالح الكفر، فالإسلام عندهم لا محل له ولا اعتبار، بل أكثر من ذلك أينما وجد للإسلام أثر فيه حياة عُمِدَ على وأدِهِ وقتله حتى لا ينمو ويشكل خطرًا.

هل المسالة بين السعودية وإيران فوق أرض اليمن سوى مسالة خدمة لمصالح أميركا؟ وهل أولئك النفر من المسلمين على أرض اليمن لا يقاتلون إلا لمصلحة أميركا والإنجليز؟ الذين بدورهم يستخدمون مشاعر المسلمين وسوء فهمهم دفاعًا عن مصالحهم (أي الكفار) ووجودهم في بلاد المسلمين، هكذا هو الأمر، ولا بد من استثناء أولئك النفر المخلصين الذين ذهبوا شهداء في سبيل الله, لا ينتقص حقهم ولكنهم أفراد رحمهم الله تعالى.

وأعود لأقول: إن جعل الإسلام السياسي قائداً للأمة أمر دونه الرقاب والأموال والأولاد، وهذا لا يطيقه إلا من اختاره الله سبحانه وتعالى (إيمانًا وإخلاصًا ووعيًا)، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيأتي أقوام يوم القيامة يكون إيمانهم عجبًا، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيقال: بشراكم اليوم وسلام عليكم، طبتم فادخلوها خالدين، فيغبطهم الملائكة والأنبياء على محبة الله لهم، فيقول الصحابة: من هم يا رسول الله...؟ قال: ليسوا منا ولا منكم، فأنتم أصحابي، وهم أحبابي..! هؤلاء يأتون بعدكم، فيجدون كتابا عطله الناس، وسنة أماتوها، فيقبلون على الكتاب والسنة، يحيونهما، ويقرءونهما، ويعلمونهما للناس، فيلاقون في سبيلهما من العذاب أشد وأعنف مما لاقيتم، إن إيمان أحدهم بأربعين منكم...! وإن شهيد أحدهم بأربعين من شهدائكم، فأنتم تجدون على الحق أعوانا، وهم لا يجدون على الحق أعوانا، فيحاطون من الظالمين من كل مكان، وهم في أكناف بيت المقدس وفي هذا الظرف يأتيهم نصر الله، وتكون عزة الإسلام على أيديهم...! وقال: اللهم انصرهم واجعلهم رفقائي في الجنة». وهنا لا بد من الوقوف طويلاً، هنا الحياة!! هنا الآخرة!! هنا سعادة الدارين!! لا حلَّ أبدا سوى خلافة على منهاج النبوة، وكفى.

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير- الأردن
الأستاذ: هيثم الناصر "أبو عمر"