14 من ذي القعدة 1445    الموافق   May 3, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




جاهلية اليوم ... كجاهلية الأمس

 

الأهواء والرغبات وطموحات زعماء مكة والجزيرة العربية كمن حولهم كانت الحاكمة والطاغية, ولا يسمح لأي جديد أن يغير عليهم نسق حياتهم المليئة بالفجور والظلم والملذات, ومباشرة الحرب فيما بينهم, خليط من التناقضات حقًا كان وصفها بالجاهلية وصفًا صحيحًا صريحًا.

وباختصار شديد, على هذه الأرض العطشى للحق وللعدل مشى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم معلنًا المواجهة الفكرية والسياسية لمجتمع مكة سيدة المكان, وقد أصرت على عدم قبول كرم الله سبحانه وتعالى إلا نفر قليل من القوم. لقد عاب دهاة مكة على النبي صلى صلى الله عليه وسلم أنه يدعوهم للإيمان بإله واحد وأن يتركوا آلهتهم المتعددة الكثيرة مثل الحجارة والأخشاب والطين والتمر, فإذا جاع المتعبد أكل إلهه, غريب ذلك المنطق. جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعالج هذا المنطق المعوج وعلى هذا الأساس قام الصراع الفكري في مكة بين أهواء وأعراف شاخت, وفكرة جديدة آن أوانها, وهي من الله خالق الكون والإنسان والحياة.

مع استمرار هذا الصراع ودون أن يدري أهل مكة كانوا يهزمون كل يوم أمام هذا الدين الجديد مع كل محاولاتهم المخفقة كانت مجرد رغبات ومصالح لأفراد بعيدة عن الحق والعدل والإنصاف بدون أي قواعد فكرية تصمد أمام الصراع. ولكن مفاهيم الحق: العبودية لله, رفع الظلم عن ضعاف الناس, الأخلاق الحميدة, الابتعاد عن الموبقات. مفاهيم بدأت تترسخ ويأنس لها الناس, وما هي إلا سنوات قليلة حتى أقبلت طيبة ناصرة لدين الله ورسوله, فهاجر إليها المسلمون, وأقام فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام الأولى وهنا وقفة.

ما هي الأفكار التي تسيرنا الآن في القرن الحادي والعشرين في ظل الهيمنة الأمريكية الرأسمالية المادية النفعية, أليست مثل تلك التي كان عليها أهل مكة وجزيرة العرب شبرًا بشبر وذراعًا بذراع؟؟ الربا أساس الحياة الاقتصادية المعاصرة, كما الجاهلية الأولى, من يريد عملاً أو بيتا أو سيارة لا بد من البنوك الربوية حتى صار علماء السلاطين يفتون بجواز الربا هنا وهناك.

الانصياع لأوامر الدولة بغض النظر عن كونها باطلاً بعيدة عن الحق باسم الديمقراطية, وحكم الأغلبية لزيادة سطوة الحاكم الطاغوت, ولسنا بحاجة إلى الأمثلة فحياتنا اليوم تغص بالأمثلة الصارخة على الظلم والحقد حتى على الإنسانية, بصريح العبارة: تعيش الأمة في حالة شبيهة بتلك الحقبة الزمنية قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم برسالة الاسلام.

لا يهم إن القران في البيوت والمكتبات والمساجد وعلى المسجلات في الحافلات والمقاهي صباحًا بسماع صوت السديس أو عبد الباسط دون النظر والتفقه بتلك المعاني العملاقة صيرناها مجرد نغمة على كاسيت أوmp3 .

حتى نصل إلى النتيجة الطبيعية التي وصل اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد أن نمارس فعله ونحمل الأفكار التي حملها ودعا إليها, فعندما كانت تتنَزل الآيات كان يحفظها المسلمون ويدعون لها, أي يعملون لإيجادها في الحياة, يعيشون بها لإرضاء الله عز وجل مشرع تلك الأفكار والأحكام, وعلى رأسها الحاكمية لله وليس للبشر, ليس للديمقراطية, ليس لأي شيء دون الله سبحانه فهو الذي خلق وهو الذي ينظم ويحكم ليس غيره. فإذا استقام في الدنيا أن الحاكمية لله استاقمت الحياة كلها, وعرف الإنسان أن حياته ليست له, وإنما هي دنيا يعيشها لتحقيق العبودية لله, وإن كان يأكل ويشرب ويستمتع بما وهب الله له من المزايا والهدايا, لكنها الدنيا التي لا تغني عن الآخرة من شيء.

إذًا نحن المسلمين مهمتنا أن نجعل أحكام الله هي السيدة في الحياة, ينادي بها الناس فيها مصلحتهم, وحل مشاكلهم, مهمتنا أن نجعل الإسلام هو أساس الحياة, لأجله نعيش, وعليه نموت, وبه نلقى ربنا. فالصراع الفكري والسياسي الذي نعيشه اليوم, ونظام الكفر قد سيطر علينا, إلا أن الكفر ينهزم كل يوم أمام إصرار المسلمين وعلى رأسهم حملة الدعوة إلى الإسلام, حملة الدعوة لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وقد اعترف أهل الكفر وقادته بصراحة أنهم انهزموا فكريًا أمام الإسلام, فلم يبق إلا أن ينهزموا سياسيًا, وهو قادم لا محالة بإصرار المسلمين على أن يحكموا بما أنزل الله. لذلك لا يجوز أبدًا أن نظل أدوات في أيدي أعادائنا, فذلك من محرمات الإسلام قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَ‌ىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). (المائدة 51) فلا بد من رفع سلطة الكافر عنا, وعدم مد يد العون له, وأن لا نطلبها منه, فهو الذي يصنع مشاكلنا كمجلس الأمن والأمم المتحدة, ولا بد من الاعتماد على قوانا الذاتية, فبها ينصرنا الله إن جعلناها خالصة لوجهه الكريم. إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم اجعل ذلك قريبًا ... آمين!

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية الأردن

الأستاذ هيثم الناصر

     
06 من ذي الحجة 1436
الموافق  2015/09/19م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد