17 من ذي القعدة 1445    الموافق   May 6, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




رثاء حامل دعوة


يقول الله تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ). (النور 37)


رحل من بيننا أخونا أبو أنس غسان الخالدي، رجل كنا نجالسه قبل أيام معدودة، وفي إحدى حلقات العلم نتدارس وإياه بعض ما يهم المسلمين، وبعد صلاة الجنازة عرفني أحد جيرانه، وذهب معي لإتمام مراسم الدفن والعزاء في العاصمة عمان، وإذا به يحدث بحرقة واندهاش مستغربًا ومستهجنًا الأمر؛ لقد صلينا معًا في المسجد صلاة العشاء أمس، واليوم قد مات، يا سبحان الله ..!! رغم أن المتحدث مدرس متقاعد، ورجل كبير ..!! سبحانك ربي ..!! كم إن الموت كبير وقاهر للرجال ..؟ بل ولكل البشر كبيرهم وصغيرهم ..!! نعم إنه الموت ولا أمر غير الموت!!


نعم إنهم حملة الدعوة، هم لا غيرهم رحلوا سابقًا، ويرحلون اليوم، ولا أحد يعلم بهم وبرحيلهم ..!! إلا من عرفهم عن قرب وعمل معهم ..!! يرحلون دون ضجيج إعلامي، ولا مراسم دفن وعزاء كالمعهودة للعلماء والناس من ذوي الشأن ..!!


إنهم حملة الدعوة، هم لا غيرهم يرحلون كما رحل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، رحل دون أن يجتمع قادة الجند وقادة الدول والولاة للوداع الأخير، رحل سيد الخلق وهو يوصي بإنفاذ جيش بعث أسامة، رحل وهو يفكر بالدعوة ومصيرها وشأنها ليلقى الله تعالى عاملاً مجاهدًا لنشر دين الله تعالى، ويخاف رب العزة وسؤاله ولقاءه في يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، ليجزيه الله أحسن ما عمل ويزيده من فضله، والله يرزق من يشاء في الدنيا والآخرة بغير حساب..!!


نعم إنهم حملة الدعوة، هم لا غيرهم رحلوا سابقًا ويرحلون اليوم ولا أحد يعلم بهم وبرحيلهم ..!! نعم إنهم يرحلون كما رحل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..!! رحل أبو بكر الصديق، وتبعه عمر الفاروق رضي الله عنهما، ولا هم لهما إلا أمر المسلمين، ودولة الإسلام واستمرار الحكم بالإسلام واستقراره، فقد رحلوا كما رحل صحبهم من سادة المسلمين بلال وصهيب وسلمان، فأين كانوا قبل الاسلام ..؟! وأين صاروا بعد الاسلام ..؟!


نعم إنهم حملة الدعوة، هم لا غيرهم رحلوا سابقًا ويرحلون اليوم ولا أحد يعلم بهم وبرحيلهم ..!! رحل أخونا أبو أنس كما رحل أميره المؤسس العالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى دون ضجيج ولا عجيج من الناس والإعلام، فبضع أناس هم من تبع جنازته، وشارك بمراسم دفنه، حتى إعلان عزاء في الصحف الرسمية بالكاد ذكر، دون أي صفة أو عمل له يذكر، ودون اختيار صفحة أو حجم إعلان عزاء، لا لشيء إلا لأنه مؤسس حزب مهمته حمل الدعوة، وحمل مشروع نهضة الأمة، إنه مشروع الخلافة على منهاج النبوة التي سار على نهجه الشيخ الأزهري عبد القديم زلوم، وتوفي ودفن كسلفه وككل حملة الدعوة، إنها سنة من الأولين تسير بنهج قويم لكل سلفهم من حملة الدعوة المخلصين ولا نزكي على الله تعالى أحدًا، وتقبلهم ربي برحمتك إنك على كل شيء قدير..!!


نعم إنهم حملة الدعوة، هم لا غيرهم رحلوا سابقًا، ويرحلون اليوم، ولا أحد يعلم بهم وبرحيلهم ..!! نعم إنهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله تعالى، ولا عن إقامة الصلاة، ولا عن إيتاء الزكاة، ولا عن كل أمر فيه طاعة لله تعالى، إنهم حملة الدعوة يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار، فيجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ... إنه نعم المولى، ونعم النصير..!!


نعم إنهم حملة الدعوة، هم لا غيرهم رحلوا سابقًا، ويرحلون اليوم، ولا أحد يعلم بهم وبرحيلهم ..!! فحمل الدعوة عملهم، وهمهم وشغلهم الشاغل، وعملهم آتى أكله وظهر للعيان ينميه الله تعالى بالخير والبركة والرسوخ، لا كأعمال أهل الدنيا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى اذا جاءه لم يجده شيئًا، وإن لله ملك السموات والأرض يؤتي ملكه من يشاء من عباده الصالحين ويستخلفهم في الأرض متى شاء وإليه المصير ..!!

نعم إنهم حملة الدعوة، هم لا غيرهم رحلوا سابقًا، ويرحلون اليوم، ولا أحد يعلم بهم وبرحيلهم ..!! إنهم عباد لله تعالى، أقسموا ودعوا الله تعالى أن يثبهم على حمل دعوة الإسلام، وأن يميتهم عليها، إنهم عباد أطاعوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودعوا من حولهم، وما على الرسول إلا البلاغ المبين ..!!
نعم إنهم حملة الدعوة، هم لا غيرهم رحلوا سابقًا ويرحلون اليوم، ولا أحد يعلم بهم وبرحيلهم ..!! إنهم رجال آمنوا بوعد الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه سيستخلفهم في الأرض، كما استخلف الذين من قبلهم، وأنه سيمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وسيبدلهم من بعد خوفهم أمنًا، فيعبدوا الله مطمئنين لا يشركون به شيئًا ..!! والله على نصر عباده إذا يشاء قدير، وبالإجابة جدير ..!!


رحم الله تعالى أخانا أبا أنس الخالدي ... ورحم كل من مات وهو يحمل الدعوة للإسلام، ويعمل لنهضة أمة الإسلام، ولإقامة دولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي يعز فيها الإسلام والمسلمون، رحمهم الله، وأسكنهم جميعًا فسيح جناته، وغفر لنا ولهم وللمسلمين أجمعين ما تقدم من الذنوب، وما تأخر ... إنه سبحانه وتعالى بضعفنا عليم خبير ... وبعباده رؤوف رحيم .. آمين يا رب العالمين ..!!


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - الأردن
الأستاذ وليد نايل حجازات

     
03 من صـفر 1437
الموافق  2015/11/15م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد