8 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 27, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




الدكتور كامل أبو جابر، والدكتور مروان المعشر انتصار لحقائق التاريخ، أم التفاف عليها؟

الدكتور كامل أبو جابر وزير خارجية أسبق في إحدى الحكومات الأردنية، وكذلك الدكتور مروان المعشر كان وزيرًا للخارجية والإعلام، ونائبا لرئيس الوزراء، وكان أيضًا سفيرًا للأردن في كيان يهود، وهما من أبناء الأردن وكلاهما مسيحيان.
في غضون أقل من شهر من الآن كان الدكتور أبو جابر محاضرًا في "مؤتمر الخطاب الإسلامي"الذي نظمته مبادرة زمزم للبناء بالتعاون مع كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، وكان الدكتور مروان المعشر محاضرًا في موضوع "مستقبل الإصلاح السياسي في الأردن" وذلك في مقر حزب جبهة العمل الإسلامي في عمان.

اللافت في حديث الدكتور أبو جابر أنه قدم نفسه للحضور وبإعتزاز بأنه عربي مسيحي وثقافته إسلامية، حتى إنه قال: "من آذى مسلمًا فقد آذاني" بل ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله: "إن ما يفصله عن عهد الدولة الإسلامية العثمانية هو جيل أبيه فقط، وإن أباه كان يحدثه قائلاً: إننا ومنذ أن سقطت الدولة العثمانية، فإن بلادنا لم تر الخير". فصفق له الحاضرون، وقال أيضًا وبصفته سياسيًا ومفكرًا: "إنه يفهم أن الغرب ربما كان يحتاج لفصل الدين عن الحياة، أما عالمنا الإسلامي فلا حل لمشاكله إلا من خلال المؤسسة الدينية". موضحًا أن كل الدول الحديثة التي أقيمت في بلادنا بعد سقوط الدولة الإسلامية هي دول فاشلة تنمويًا وتعليميًا وسياسيًا، مستشهدًا على ذلك بمجموعة كتب ألفها حكام هذه الدول في بلادنا، توضح هذه الكتب - على حد قوله - أن الحكام أنفسهم يعيشون حالة من التخبط والفشل السياسي في إدارة شؤون الناس الأمر الذي انعكس بالضرورة على حال البلاد والعباد، ويأسرك حديث الدكتور أبو جابر بسعة أفقه ودقة توصيفه للأحوال وتعامله مع حقائق التاريخ كما هي دونما رتوش أو تزويق أو تشويش، وبثقته فيما يقول عندما يتعلق الأمر بسرد حقائق التاريخ وكأن هذه الحقائق تقرأُ نفسها عليك بصوته دونما تدخل أو معالجة من كتاب اسمه حقائق التاريخ كما هي.

أما اللافت في حديث الدكتور المعشر أنه قدم نفسه للحضور وباعتزاز أيضًا أنه مسيحي علماني يؤمن بالحداثة ومدنية الدولة والمساواة على أساس المواطنة، ناسيًا أو متناسيًا أي حقيقة من حقائق التاريخ، واضعًا النظام الملكي سقفًا لمستقبل الإصلاح السياسي في الأردن، لا بل إنك تشعر بأن الرجل جاء إلى حزب جبهة العمل ليوصل لهم رسالة، أو ليرسم لهم ولغيرهم من الإسلاميين المنخرطين معهم في اللعبة الديمقراطية خارطة طريق؛ ليسيروا عليها في مستقبلهم السياسي، فكان غريبًا أن تسمع منه أنه يصارح الحركة الإسلامية وتحديدًا جبهة العمل الإسلامي وحاضنتها الأم جماعة الإخوان المسلمين بأنهم لم يقدموا للبلد وحتى اليوم مشروعًا سياسيًا واضحًا يطمئن فيه العلماني من أمثال الدكتور المعشر على حياته ووضعه فيه، سائلاً إياهم وبذات الصراحة قائلاً: "أنا مروان المعشر مسيحي علماني أؤمن بالحداثة والمساواة على أساس المواطنة. أين سيكون مكاني في حالة استلمتم الحكم في البلد؟ مبديًا قلق العلمانيين وتخوفهم من ذلك، لا بل إنه ذهب لأبعد من ذلك في سؤاله لهم عن أي النماذج أقرب إليهم هل هو النموذج التونسي أم المصري أم أي إسلام؟

وفي الوقت الذي واجه المستمعون الدكتور أبو جابر بالتصفيق له على انتصاره لحقائق التاريخ التي ذكر، فإن المستمعين للدكتور المعشر، وما أن أُتيحت لههم فرصة التداخل حتى انبرى له كثير من الحضور لتصحيح المغالطات التي تضمنتها كلمته سواء من الناحية التاريخية أو السياسية، فرد عليه أحد ناشطي حزب التحرير بقوله: "إن هذا الشعب شعب مسلم ويحب إسلامه ويرى أن سقف الإصلاح السياسي بالنسبة له هو تطبيق الإسلام عليه، أما هذه الأنظمة العلمانية فما هي إلا أنظمة دخيلة فرضها عليه الكافر المستعمر، وإن حزب جبهة العمل الإسلامي حتى وإن كان يؤمن بفكرة التدرج إلا أنه يؤمن بالتدرج كأسلوب سياسي للوصول إلى الحكم بالإسلام، بمعنى أنهم في المحصلة ذاهبون إلى تطبيق الحكم بالإسلام على طريقتهم فهم مع أمتهم وإسلامهم باتجاه ذات الهدف".

ورد عليه آخر بقوله: "إن كلامك هذا يدينك يا دكتور، فتخوفك من الإسلام ليس في محله، فالإسلام هو الذي حافظ عليك وعلى المسيحيين في بلاد المسلمين بدليل وجودك بيننا محاضرًا اليوم. ولا ندري لمصلحة من تساق هذه المغالطات وتشاع هذه الأفكار التي تمس أمن المسيحيين وغيرهم وعلى اعتبار ما يمكن أن يكون؟! لماذا لا يتم الوقوف على حقائق الواقع الذي يَسجنُ فيه العلمانيون أبناء جبهة العمل الإسلامي وعلى رأسهم الأستاذ زكي بني رشيد الذي كان حاضرًا بصورته فقط بجانب الدكتور المعشر، وهو قابع في سجون الدولة ذات السقف؟! ولماذا لا يتم الوقوف على حقائق التاريخ كما هي ولمصلحة من؟!

فهل سمع الدكتور المعشر أن المسيحيين كانت لهم مظالم عندما كانوا يعيشون في ظل أحكام الإسلام؟! وهل جار عليهم الإسلام يومًا؟! أم أن وراء رسائل المعشر ما وراءها من تسويق لأفكار مشبوهة قائمة على التشويش والالتفاف على حقائق الواقع والتاريخ معاً؟! أم أن مطبخ كارنيجي مثقل ومنْزعج من تزاحم الحقائق التي يبرزها الواقع في عالمنا الإسلامي والتي لا تناسب نكهتها كل علماني حداثي لا يؤمن بأن للدين دور في حياة الناس وإدارة دولتهم؟! وكان هذا واضحًا بسرعة رد المعشر على مداخلة حزب التحرير حين قال: إنه سيحارب هذا الفكر الديني الذي يقول به حزب التحرير، ويا للعجب يطلبون التعهد من الإسلاميين ليحتفظوا بمواقعهم في المستقبل ويديرون حربًا ضد الإسلاميين اليوم إذا لم يكن إسلامهم علمانيًا، فعن أي المسيحيين يتحدث الدكتور المعشر؟ وأي العلمانيين، لا بل وعن أي الناس كنت تتحدث يا دكتور كامل أبا جابر؟!

يبقى الكلام كلامًا، ويبقى الحق أحق أن يُتَّبع؛ فيكبر الإنسان بأعين الناس بإحقاق الحق منتصرًا له، ويخطئ من يظن أن بإمكانه الالتفاف على عقول الناس، فالناس لا ينسون، والتاريخ لم ولن يرحم، فشتان بين من يتصالح مع نفسه؛ فتنسجم بداخله ملكات الفكر والثقافة والتاريخ؛ فلا يستطيع لسانه إلا أن ينطق بحقيقة الحق، وبين من يتاخصم مع ذاته فيضطرب فيه الفكر، وتتلون فيه معالم الثقافة؛ فتسوقه مصالح ضيقة الى القفز على حقائق التاريخ التي عاشها آباؤه وأجداده بامتنان، ولمصلحة من؟! ليتها لمصلحة أبنائه وأحفاده الذين عما قريب سيعيشون حقيقة ذلك التاريخ المشرق بطعم الكرامة، ونكهة العدل. تاريخ ستحيه لنا ولكم خلافة إسلامية، لا علمانية النموذج التونسي ولا المصري، بل خلافة على منهاج النبوة كما بشرنا بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بمشيئة الله، وإن غدًا لِناظره لقريب، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - الأردن
الأستاذ عبدالرؤوف بني عطا- أبو حذيفة

 

     
06 من ربيع الاول 1437
الموافق  2015/12/17م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد