9 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 28, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




صراع وجود أكثر منه صراع نفوذ

في الوقت الذي تتهاوى فيه القيم الرأسمالية عالميًا، وفي الدول التي ابتدعتها تحديدًا، وتشهد الأفكار الرأسمالية فشلاً ذريعًا في تقديمها لحلول المشاكل التي أنتجتها هي نفسها، وخصوصًا في الناحية الاقتصادية. فبالنسبة للقيم وعلى رأسها الحريات التي تعتبر من مقدسات المبدأ الرأسمالي، فها هي أم الحريات فرنسا تضع هذه الحريات تحت أقدام رجال الأمن تحت شعار محاربة الإرهاب، فلم يعد هناك من حرية شخصية، ولا حرية رأي، ولا حرية عقيدة، فهي تنتهك بالتجسس على خصوصية المواطن من خلال التجسس على الاتصالات وغيرها من وسائل التواصل، بل قد يحاكم على هذه الاتصالات، بل تعلن حالة الطواريء، ومنع التجول وغيره كثير من الاجراءات التي تقيد هذه الحريات، وليس هذا في فرنسا وحدها، بل في أكثر من دولة غربية، أمَّا عن الإجراءات ضد المسلمين في انتهاك حرياتهم في هذه البلدان فحدث ولا حرج.


هذا من ناحيه، أما من ناحية تسويق الديمقراطية في بلاد المسلمين، فقد فشلت فشلاً ذريعًا، وقد كان فشلها فشل فكرة، لا فشل خطط وأساليب سياسية، رغم كل ما بذلوه من جهد في محاولات تسويقها، وما ابتدعوه من أساليب ووسائل، وليس أدل على ذلك من تقدم التوجهات الإسلامية في ما جرى من انتخابات في بعض البلدان الإسلامية، ثم تراجع هذه التوجهات شعبيًا كنتيجة لقربها من الديمقراطية، مما أجبرهم في النهاية إلى العودة إلى الأنظمة البوليسية السابقة التي أدركوا أنهم لن يستطيعوا أن يبقوا على نفوذهم إلا من خلالها.

بعد هذا أصبح واضحًا وظاهرًا تطلع المسلمين لنظام حكمهم المنبثق من عقيدتهم الإسلامية (الخلافة) - التي يحاولون تشويهها وتنفير الناس منها عن طريق تنظيم الدوله - وأصبح الرأي العام لهذه الفكرة واضحًا لدى جمهرة من المسلمين، وأعني بالرأي العام هو معرفة جمهرة الناس للفكرة، بل تعدى ذلك إلى وجود جمهرة من الناس تؤيد الفكرة، بل وتتمني عودة الخلافة.
لقد برز الإسلام ممثلاً بخلافته خطرًا وجوديًا على الرأسمالية كمبدأ، وخطرًا وجوديًا على الدول الرأسمالية بوصفها دولاً، وليس خطرًا على نفوذها فقط، ومن هنا أخذ الصراع يتحول إلى صراع وجود، وليس صراع نفوذ فقط.

أما الشواهد على ذلك فهي أكثر من أن تحصى أذكر منها:


1. اجتماع الدول الغربية على حرب الإسلام ممثلاً بخلافته، رغم اختلاف مصالحهم، وقد ظهر هذا جليًا في تصريحات زعمائهم حول عدائهم للخلافة تحديدًا بدئًا من تصريحات بوتين في مؤتمر براغ ومرورًا بتصريحات بوش وغيره من زعماء دول العالم، وتصريح بعضهم بعدم السماح بعودة الخلافة تصريحًا وليس تلميحًا.


2. عملهم مجتمعين على تفجير الصراعات الدموية في المنطقة تحت مختلف الشعارات لتدمير مقدرات المنطقة البشرية والمادية.


3. عقد التحالفات الدولية، والتي تضم دول المنطقة التابعة لهم، والتي تدور في فلكهم للدخول في أتون هذه الصراعات الدموية مع استعدادهم للتدخل المباشر للحيلولة دون عودة الخلافة أو التدخل عند قيامها.


4. إن من أهم الأساليب التي يتم استخدامها من قبلهم لإبقاء الصراع الدموي بين أهل المنطقة هو إذكاء الفتنة الطائفية، والمذهبية المسيسة التي جرت وتجري دماء المسلمين على مذبحها أنهارا، ورأس الحربة في هذه الفتنة وهذا الاصطفاف الطائفي هم حكام السعودية عملاء أمريكا وإيران التي تدور في الفلك الأمريكي.


5. وقد كان ما يسمى بالإرهاب هو أحد أسلحتهم في صراعهم مع المسلمين حيث استغلوا جرائم بعض التوجهات الإسلامية في حشد رأي عامٍ بين شعوبهم معادٍ للإسلام، ومؤيدٍ للتدخل العسكري والمباشر في بلاد المسلمين بعد أن كان الرأي العام في بلادهم يرفض هذا التدخل، لكن هذا اختلف بعد أن ضرب الإرهاب قلب عواصم بعضهم.


6. استخدامهم لإعلان (تنظيم الدولة .....) لخلافة اللغو واستغلال جرائمه في تشويه صورة الاسلام، وخاصة صورة الخلافة سواء عند المسلمين أو عند غيرهم فقد عملوا ومن خلال هذا التنظيم لتحويل الصراع: من صراع مع الدول، إلى صراع مع الدول والشعوب لاستعدائها على الإسلام وأهله في الدول الغربية، وفي منطقتنا الإسلامية بالإضافة إلى أن هذا التنظيم أعلن نفسه عدوا لشعوب منطقتنا الإسلامية.


7. اتخاذ قرارات في مجلس الأمن تتعلق بالمنطقة لا تعني في مضمونها إلا أنها حرب كونية على الإسلام ممثلاً بخلافته.


8. أما عن الحرب الفكرية، فقد استخدموا كل المؤسسات الدينية الرسمية في دول الضرار بالإضافة إلى حركات ما يسمى بالإسلام المعتدل في حربهم على أفكار الإسلام وعلى فكرة الخلافة تحديدًا تحت شعار (تجديد الخطاب الديني) والذي يعد بمثابة إعلان إسلام علماني ديمقراطي مدني (هذا ان جاز التعبير). لعل هذا غيض من فيض يدلل على أن صراع الرأسمالية ودولها مع المسلمين أصبح صراع وجود، وليس صراع نفوذ فقط، مع ملاحظة صعوبة الفصل بين كلا الصراعين.


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - الأردن

الأستاذ إسماعيل عمير (أبو البراء)

 

     
17 من ربيع الثاني 1437
الموافق  2016/01/26م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد