9 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 28, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




حث القرآن على استخدام العقل


الحَمدُ للهِ وَحْدَه، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعدَه، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاهُ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَاجعَلْنَا مَعَهُمْ، وَاحشُرنَا فِي زُمرَتِهِمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أمَّا بَعدُ:


فَقَد بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ الخَاتَمَةِ؛ لِيُخرِجَ النَّاسَ مِنْ ظُلُمَاتِ الجَهْلِ إِلَى أنوَارِ العِلْمِ، وَكَانَ العَالَمُ قَبلَ البِعثَةِ المُحَمَّدِيَّةِ وَفِي زَمَنِهَا، غَارِقًا فِي بَحْرِ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ، وَفِي مُقَدِّمَتِهَا ظُلمَةُ الجَهْلِ الَّتِي تَستَتْبِعُ بَاقِي الظُّلُمَاتِ، فَكَانَ مِنَ الطَّبِيعِيِّ وَالمَنطِقِيِّ أنْ يَكُونَ شِعَارُ الدِّينِ الخَاتَمِ «اقرأ» وَأنْ يَكُونَ إِعلاءُ شَأنِ العَقْلِ وَالتَّفكِيرِ وَالعِلْمِ وَطَلَبِهِ وَتَعلِيمِهِ أوَّلَ المبَادِئِ لِتَرَقِّي مِعرَاجِ الكَمَالِ الإِنسَانِيِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الإِسلامُ.


فَبِاستِخدَامِ العَقْلِ يُفَرِّقُ الإِنسَانُ بَينَ الصَّالِحِ وَالفَاسِدِ، وَبِتَعطِيلِهِ تَلْتَبِسُ عَلَيهِ الأُمُورُ وَيَفقِدُ هَذَا التَّميِيزَ. وَبِطَلَبِ العِلْمِ يُدرِكُ حَقَائِقَ الأشيَاءِ، وَدَلالاتِهَا عَلَى عَظَمَةِ وَقُدرَةِ اللهِ وَصِفَاتِ الكَمَالِ وَالجَلالِ، فَإِذَا لَمْ يَطلُبِ الإِنسَانُ العِلْمَ بَقِيَ فِي ظُلُمَاتِ الجَهْلِ لا يَعرِفُ الحَقَائِقَ وَلا الدَّلائِلَ، وَلا مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلا مَقَاصِدَ الشَّرَائِعِ، فَضْلاً عَنْ جَهْلِهِ بِالعُلُومِ الأُخرَى الَّتِي تَزِيدُهُ نُورًا، وَتُبَيِّنُ لَهُ طَرِيقَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ؛ لِذَلِكَ كَانَ مَبدَأُ العِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ وَالتَّعلِيمِ، عَلَى مَدَى الحَيَاةِ الفَردِيَّةِ وَالجَمَاعِيَّةِ، أوَّلَ مَبَادِئِ بِنَاءِ الحَضَارَةِ الإِسلامِيَّةِ الرَّاقِيَةِ، وَمِنْ هُنَا يَجِدُ قَارِئُ القُرآنِ الكَرِيمِ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ الآيَاتِ الَّتِي تَحُثُّ عَلَى استِخدَامِ العَقلِ، وَطَلَبِ العِلْمِ، مُبَيِّنَةً فَضْلَهُ وَفَضِيلَةَ العُلَمَاءِ الَّذِينَ يَتَحَلَّوْنَ وَيَعمَلُونَ بِهِ، وَيَنشُرُونَهُ وَيَبتَغُونَ وَجْهَ اللهِ الكَرِيمَ بِذَلِكَ. وَإِذَا تَدَبَّرْنَا هَذِهِ الآيَاتِ وَجَدْنَا أنَّهَا تَدعُو إِلَى التَّفَكُّرِ وَاستِخدَامِ العَقْلِ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ:


1. إِنَّ الغَايَةَ المَرجُوَّةَ مِنْ بَثَّ الآيَاتِ أيِ العَلامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحدَانِيَّةِ الخَالِقِ وَعَظَمَتِهِ .. وآيِ القُرآنِ الكَرِيمِ هِيَ أنْ يَعقِلَ الإِنسَانُ هَذِهِ الحَقِيقَةَ الكُبرَى، وَأنْ يَعمَلَ بِمُقتَضَاهَا. قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). (البقرة 73) فَحَرفُ «لَعَلَّ» يُفِيدُ التَّرَجِّي، وَيَتَضَمَّنُ هُنَا مَعنَى القَصدِ، أي أنَّ الغَايَةَ المَرجُوَّةَ وَالمَقصُودَةَ مِنْ تَبيِينِ وَإِظهَارِ الآيَاتِ هِيَ حُصُولُ العَقْلِ، بِمَفهُومِهِ الشَّرعِيِّ.


2. الإِنكَارُ وَالتَّشنِيعُ وَالذَّمُّ: فَالقُرآنُ لَمْ يَكتَفِ بِبَيَانِ فَضْلِ العَقْلِ، بَلْ بَيَّنَ هَذَا الفَضْلَ مِنْ خِلالِ ذَمِّ حَالِ الَّذِينَ يُعَطِّلُونَ مَلَكَاتِهِمُ العَقلِيَّةَ كَقَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ). (البقرة 171) فَقَد شَبَّهَ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِينَ كَفَرُوا بِالبَهَائِمِ الَّتِي لا تَعقِلُ، وَزَادَ حَالَهُمْ بَيَانًا بِوَصفِهِمْ بِالصَّمَمِ وَالبَكَمِ وَالعَمَى، فَكَانَ هَذَا التَّعطِيلُ لِعُقُولِهِم مُسَببًا لآفَاتٍ تَنحَطُّ بِالإِنسَانِ الَّذِي كَرَّمَهُ اللهُ إِلَى حَضِيضِ البَهَائِمِ مَعَ أنَّ لَهَا تَسبِيحُهَا الخَاصُّ بِهَا، وَلَكِنَّنَا لا نَفقَهُهُ كَمَا بَيَّنَ القُرآنُ، إِذْ إِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ المَذمُومَةِ لا يَتَّصِفُ بِهَا إِلاَّ الجَاهِلُونَ، وَهَذِهِ الأفعَالُ القَبِيحَةُ لا تَصدُرُ إِلاَّ عَنِ الحَمْقَى.


3. أولُو العُقُولِ وَحْدَهُمُ المُؤَهَّلُونَ لإِدرَاكِ الحَقِّ وَلِلتَّذَكُّرِ. وَقَد سَمَّاهُمُ المَولَى عَزَّ وَجَلَّ بِأُولِي الألبَابِ، وَخَصَّهُمْ بِأجَلِّ العُلُومِ وَأنفَعِهَا. فَقَالَ: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ). (البقرة 269) فَدَلِّتِ الآيَةُ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ الحِكْمَةِ، وَعَلَى أنَّ الَّذِينَ خَصَّهُمُ اللهُ بِنُورِهَا هُمْ أصْحَابُ العُقُولِ، أيِ القُلُوبِ الَّتِي عَبَّرَ عَنهَا بِالألبَابِ.


4. وَأمَّا قَولُ اللهِ تَعَالَى: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ). (الرعد 19) فَفِيهِ تَنصِيصٌ عَلَى أنَّ الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ إِنَّمَا هُمْ أُولُو الألبَابِ، وَ «إِنَّمَا» - كَمَا هُوَ مَعلُومٌ - كَلِمَةٌ تُفِيدُ الحَصْرَ، فَأصْحَابُ العَقْلِ وَحْدَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَعلَمُونَ. إِنَّ الَّذِي يَعلَمُ أنَّ مَا أُنزِلَ مِنَ اللهِ هُوَ الحَقُّ لَيسَ كَمَنْ هُوَ أعْمَى لا يُبصِرُ، وَإِنَّ الجَهَلَةَ لَيسُوا كَالعُلَمَاءِ الَّذِي يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ، وَيَخْشَونَ اللهَ، وَيَصْبِرُونَ احتِسَابًا وَإِخلاصًا، وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَيُنفِقُونَ سِرًا وَعَلانِيةً، وَيَدرَءُونَ السَّيِئَةَ بِالحَسَنَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ جَزَاءَهُمْ يَومَ القِيَامَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴿٢٠﴾ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴿٢١﴾ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴿٢٢﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ﴿٢٣﴾ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ). (الرعد 20 - 24)


5. لَقَد أنزَلَ اللهُ هَذَا القُرآنَ الكَرِيمَ تَذكِرَةً لِهَذِهِ الفِئَةِ المُؤمِنَةِ الَّتِي تَتَدَبَّرُهُ، وَتَنتَفِعُ بِعُلُومِهِ. وَأمَّا الَّذِينَ أعرَضُوا، وَلَمْ يُوَجِّهُوا قُلُوبَهُمْ وَعُقُولَهُمْ لِتَحصِيلِ هَذَا التَّدَبُّرِ وَالانتِفَاعِ فَلا يَتَذَكَّرُونَ. قَالَ تَعَالَى: (هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ). (إبراهيم 52). فَجَعَلَ الآيَاتِ السَّابِقَةَ بَلاغًا عَامًا، وَإِنذَارًا شَامِلاً لِلنَّاسِ، وَبَيَّنَ أنَّ أُولِي الألبَابِ هُمُ المُؤَهَّلُونَ لِلتَّذَكُّرِ النَّافِعِ.


6. وَقَولُهُ سُبحَانَهُ: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ). (ص 29) بَيَانٌ لِلغَايَةِ مِنْ تَنْزِيلِ القُرآنِ الكَرِيمِ، وَهِيَ التَّدَبُّرُ وَالتَّذَكُّرُ اللَّذَانِ هُمَا وَظِيفَتَا العُقَلاءِ المُفَكِّرِينَ، إِذْ لَهُمْ آيَاتٌ وَدَلائِلُ وَإِشَارَاتٌ فِي الأنفُسِ وَالآفَاتِ وَتَارِيخِ الأُمَمِ، كَمَا فِي قِصَّةِ سَيِّدِنَا أيُوبَ عَلَيهِ السَّلامُ: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ). (ص43) فَهَذِهِ القِصَّةُ القُرآنِيَّةُ تَتَضَمَّنُ مِنَ الحِكَمِ وَالعِظَاتِ وَالفَوَائِدِ مَا يَنتَفِعُ بِهِ أولُو الألبَابِ أيضًا، وَهَذِهِ الفِئَةُ المُؤمِنَةُ هِيَ الَّتِي تُذعِنُ لِسَمَاعِ الحَقِّ، وَتَستَقِيمُ عَلَى نَهْجِ السُّنةِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ هِيَ الطَّائِفَةَ المَهدِيَّةَ. إِنَّهُمُ الَّذِينَ قَالَ عَنهُمُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (الجاثية 3 - 5). ذَلِكَ أنَّ هَذِهِ المَوجُودَاتِ البَدِيعَةَ الَّتِي تَملأُ هَذَا الكَونَ الرَّحْبَ لَمْ تُخْلَقْ سُدىً.


7. هَكَذَا حَثَّ القُرآنُ الكَرِيمُ الإِنسَانَ عَلَى التَّفَكُّرِ الدَّائِمِ، حَتَّى يَظَلَّ عَقلُهُ أو قُلبُهُ حَيًا، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). (ق 37) فَالقُلُوبُ، هَذِهِ الهِبَةُ اللَّطِيفَةُ الرَّبانِيَّةُ المُدرِكَةُ المُمَيِّزَةُ العَارِفَةُ، يُصِيبُهَا العَمَى أحْيَانًا إِذَا ضَلَّ صَاحِبُهَا الطَّرِيقَ بِالإِعرَاضِ عَنِ الحَقِّ، وَتَستَنِيرُ أحْيَانًا بِنُورِ الحَقِّ فَتُبصِرُ عَلائِمَ الطَّرِيقِ، وَتَلْمَحُ وَعْدَ اللهِ الصَّادِقَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِ الدُّنيَا.


8. لَكِنْ كَيفَ تَحْيَا هَذِهِ القُلُوبُ الرَّبانِيَّةُ اللَّطِيفَةُ؟ سُؤَالٌ نَجِدُ جَوَابَهُ فِي هَذَا الإِنكَارِ القُرآنِيِّ لِحَالِ الكَافِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَنتَفِعُوا بِعُقُولِهِمْ كَمَا يَنبَغِي، قَالَ تَعَالَى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). (الحج 46) فَهُمْ يُبصِرُونَ بِأعيُنِهِمُ الحِسِّيةِ آيَاتِ اللهِ فِي الأنفُسِ وَالآفَاقِ، وَلَكِنَّ عِلَّتَهُمْ أنَّهُمْ لا يُبصِرُونَهَا بِقُلُوبِهِمْ لأنَّهَا عَمِيَتْ، كَمَا دَلَّتِ الآيَةُ عَلَى أنَّ مَكَانَ القَلْبِ - بِهَذَا المَعْنَى السَّامِي- هُوَ الصَّدْرُ.


9. إِنَّ هَذِهِ الآيَاتُ يَشهَدُهَا الشَّهُودَ القَلبِيَّ المُتَوَسِّمُونَ، وَهُمُ المُتَذَكِّرُونَ المُتَأمِّلُونَ. قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ). (الحجر 75). أُسلُوبُ التَّقرِيعِ وَالتَّبكِيتِ وَالتَّوبِيخِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ مِنْ ذمِّ تَعطِيلِ النَّظَرِ وَالعَقْلِ مَا لا يَخفَى عَلَى مَنْ يَحتَرِمُ عَقْلَهُ. كَقَولِ اللهِ تَعَالَى فِي نِهَايَاتِ العَدِيدِ مِنَ الآيَاتِ: (أفَلا تَعقِلُونَ؟). (أفَلا تَذَكَّرُونَ؟).


10. إِنَّ القُرآنَ يُخَاطِبُ كَيَانَ الإِنسَانِ كُلَّهُ: عَقْلَهُ، وَوُجدَانَهُ، وَيُوَجِّهُ مَلَكَاتِهِ الفِكرِيَّةَ إِلَى التَّأمُّلِ، وَيُقِيمُ الحُجَّةَ عَلَى الحَقَائِقِ الَّتِي يُبَيِّنهُا لَهُ، كَي لا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.


اللَّهُمَّ أنِرْ عُقُولَنَا وَقُلُوبَنَا وَأبصَارَنَا بِنُورِ الإِيمَانِ وَالحِكْمَةِ، وَثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَأعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، وَاختِمْ بِالصَّالِحَاتِ أعْمَالَنَا إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ آمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ!!


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - الأردن
الأستاذ محمد أحمد النادي

 

     
21 من ربيع الثاني 1437
الموافق  2016/01/30م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد