30 من ذي القعدة 1445    الموافق   May 19, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




وقفة مع آية "الجزء الأول"
وجوب متابعة المسلمين الموقف الدولي


قال الله تعالى :(ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ). [الروم:1-4] قال ابن كثير: نزلت هذه الآيات حين تغلب سابور - ملك الفرس - على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة، وأقاصي بلاد الروم فاضطر هرقل - ملك الروم - للهروب حتى ألجأه إلى القسطنطينية، وحاصره فيها مدة طويلة، ثم عادت الدولة لهرقل. يا لها من كلمات عظيمة! ففي الوقت الذي لا يجد المسلمون لأنفسهم شوكة يدافعون بها عن أنفسهم أمام لا أقول القوى الإقليمية ولا الدولية وإنما أمام سلطة في إقليم معين، وهم سلطة قريش التي بطشت بهم، وأذاقتهم من العذاب ألوانًا، فهذا بلال وعمار وأبوه، وهذه سمية، وهذا خباب رضي الله عنهم، وقد سأله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- يومًا عما لقى من المشركين، فقال خباب: يا أمير المؤمنين، انظر إلى ظهري، فنظر عمر، فقال: ما رأيت كاليوم، قال خباب: لقد أوقدت لي نار، وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري (أي دهن ظهري) وكانت أم أنمار تأخذ الحديد الملتهب، ثم تضعه فوق رأس خباب الذي كان يتلوى من شدة الألم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك لهم شيئاً حيث كانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر، وبأبيه وأمه، إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم برمضاء مكة (والرمضاء هو الرمل الحار من شدة حرارة الشمس)، فيمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: «صبرًا آل ياسر، فإنَّ موعدَكم الجنة»، فأما أمه فقتلوها، وهي تأبى إلا الإسلام".


في هذه اللحظات تنْزل هذه الآيات المكية لتقول للمسلمين: "لا تنظروا الآن إلى ما أنتم عليه، فهذه ليست نظرتكم لأن نظرتكم هي عالمية، ودينكم عالمي، وللبشرية جمعاء، ولا تنظروا إلى القوى المحلية، وصراعكم معها، فإنما هو صراع مؤقت، وإنما انظروا إلى البُعد الدولي، والموقف الدولي، والسيادة الدولية، يحدثهم ربهم عن صراع دولي، وتغيّر في الموقف الدولي، ودراسة لهذا الموقف الدولي، وهم في أسوأ حالات الضعف؛ ليقول لهم: "غُلبت الروم اليوم، وانتصرت فارس لفترة وستعود الغلبة للروم .... يالله، ولسان حال ضعاف الإيمان يا رب وما شأننا بهم - فخار يكسر بعضه - يا رب ألست ترى ما نحن فيه؟ نحن لا نقوى على سلطة محلية، فضلا عن تجمعات إقليمية أو صراع دولي وقوى دولية، لكنه الإسلام العظيم الذي نزل لتدين الأرض كلها لله فالإسلام لا يؤمن بحدود طبيعية أو صناعية (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). (الصف 9) هذا الإسلام العظيم لفت انتباه المسلمين منذ البداية أن الصراع والحلبة هي في الموقف الدولي، وليست محلية، وما الألم والعذاب الآن إلا مرحلة مؤقتة فلا تقفوا عنده ولا تلتفتوا له، وهذا واجبنا اليوم، ونحن في ضعف وتشريد وهوان واعتقال وسجن ومطاردة لا يأمن الرجل على نفسه، ولا بيته ولا أهله، نظرتنا دولية متابعتنا للموقف الدولي وعيوننا لسيادة العالم بالإسلام العظيم، ونحن قادته وعنوان المرحلة القادمة، ولعل لسان حال ضعاف الإيمان يقولون: اتقِ الله في نفسك، ولا تشطط، وأكثر منه لسان العلمانيين والمرجفين والمنافقين، وعملاء الغرب فكريا وسياسيًا يقولون: "فقدوا عقولهم، وإنهم يغطون في أحلام وردية، وأنها دعوة طوبائية". لكننا نقول لهم: "إن حال دعوتنا اليوم كحالها بالأمس، وأن نتائجها ستكون كما كانت بالأمس- بإذن الله - وإن مواقفكم ستكون كحال سلفكم زعيم المنافقين، وسنقولها لكم وبثقة المؤمن: "إن وعد الله آت لا محالة، وإن بعد العسر يسرًا وفرجًا وفتحًا، وإن الآلام اليوم ستكون تاريخًا كما ندرس تاريخ عذابات الأمس، وأن كيانكم زائل كما اندرس تاريخ زعماء مكة، وبني النضير، وبني قريظة، وخبير، والصراع اليوم، وإن خلا منه دولة الإسلام حاليًا - لعدم وجودها - فإن كان قبلها صراع مع أمة ناشئة وهو الآن صراع مع أمة تستميت في العمل إلى ما كانت عليه! أمة ودولة منفردة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ مُلْك أمتي ما زُوِيَ لي منها». اللهم اجعلنا من العاملين المخلصين الصادقين الثابتين، واكتب لنا عملاً وشهادة في سبيلك لرفع راية الإسلام عالية خفاقة.


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير / ولاية الأردن

الأستاذ حسن حمدان

 

     
30 من محرم 1438
الموافق  2016/10/31م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد