30 من ذي القعدة 1445    الموافق   May 19, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




وقفة مع آية "الجزء الثاني"
وجوب أن ترنو عيون المسلمين إلى مركز القيادة العالمية

وقفة مع آية الجزء الثاني قال تعالى ( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (سورة الروم 30: 1-5 ) في الجزء الأول من الكلمة كان الحديث عن أهمية ووجوب متابعة المسلمين الموقف الدولي بعض النظر عن حالة الضعف التي هم فيها، والآن نكمل معكم تتمة الآية بإذن الله. بعد أن تحدثت الآية عن التغيير في ميزان القوى العالمي بتراجع الروم، وصعود الفرس لفترة وجيزة، ثم عودة الروم إلى ما كانوا عليه، نقف عند نقاط مهمة في الآية:


أولا: صحيح أن دراسة الموقف الدولي عملية عقلية، وبحث واقع، وهو لا يثبت على حال، وإنما هو متغير بين صعود وأفول لبعض القوى، وهذا يقتضي منا دراسة أسباب الصعود، وعوامل الانتكاسة، ودراسة سنن الله في الكون في إنهيار الدول والحضارات، وهذه دعوة لنا لنقف على أسباب هذا التغير حتى لا يصيبنا ما أصاب القوم من أفول وضعف وتراجع، غير أنه يجب أن يكون واضحًا أن الموقف الدولي لا يلزم حالة واحدة، وإنما هو متغير ومتبدل في العالم حسب أوضاعه، وأحواله، وأحداثه، ولكن مع ذلك يمكن رسم صورة واضحة له من خلال التتبع والدراسة - والآيات هنا أعطت المسلمين صورة عامة وخطوطا عريضة عنه - ويمكن إعطاء تفصيلات عن أحواله بعد التعمق في دراسته والمسألة هنا ليست مجرد معرفة لمركز الدولة الأولى وإنما ما ينبني عليها من محورية الصراع وتحديد جهة هذا الصراع، وإلا لِمَ يذكر الله هذا الأمر وهو مُدرَكٌ للمسلمين؟ والجواب بسيط: لأن عين الإسلام على مركز الدولة الأولى، والسيادة الدولية، والملفت للانتباه أن الله قد ذكر ما كان عليه الموقف الدولي سابقًا وما هو عليه الآن (الفرس)، وما سيكون عليه بعد فترة (عودة الروم) وكأنه يقول لهم: "قد تقوم دولة الإسلام في فترة زعامة الفرس، وقد يكون بعدها وفي هذه إشارة لقرب إقامتها، برغم ما هم فيه من ذل وهوان وضعف، فلا تقفوا كثيرًا عند نظرة الصراع مع الأتباع والعملاء وإنما اجعلوا أعينكم تجاه الصراع الدولي لذا يجب معرفة الدولة الأولى في العالم لأنه بقيام دولة الإسلام، سيكون الصراع معها ولو بعد حين، فيجب علينا معرفة طبيعية تكوينها، وعوامل القوة والضعف فيها، وفهم الموقف الدولي، يقتضي من المسلمين ليس معرفة مركز الدولة الأولى في العالم فقط، بل ومركز الدول الأخرى بالنسبة لها، وبالنسبة للسياسة العالمية الدول التابعة، والدول التي في الفلك، والدول المستقلة. وكذلك التكتلات الدولية، وحالة الموقف الدولي من سلم وحرب.


ثانيا: إن فهم الموقف الدولي يختلف عن فهم سياسة كل دولة؛ وذلك لأن فهم سياسة الدول المؤثرة يتعلق بفهم الفكرة والطريقة اللتين تقوم عليهما سياسة تلك الدول، وأما الموقف الدولي، الذي هو هيكل العلاقات الدولية المؤثرة، أي الحالة التي تكون عليها الدولة الأولى والدول التي تزاحمها، هذا الموقف لا يتعلق بالفكرة والطريقة، وإنما يتعلق بالعلاقات الدولية، والتسابق الدائم بين الدول على مركز الدولة الأولى، وعلى التأثير في السياسة الدولية؛ ولذلك كان لا بد من فهم الموقف الدولي. وبعد أهمية معرفة الموقف الدولي ومركز الدولة الأولى عالميا بيّن الله لنا أن الأمر بيده بقوله: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) وهذا يقودنا إلى بحث آخر ومهم وخطير وهو أن ننظر إلى الأحداث من زاوية خاصة وهي زاوية العقيدة الإسلامية أي لا بد من تحديد موقفنا من هذا الواقع والذي يحدد هذا الموقف هو وجهة النظر عن الحياة أي العقيدة الإسلامية فالقضية ليست عبثية عند الإسلام وليست مجرد حب المعرفة بتغيير ميزان القوى بل القضية ينبني عليها أمور من:


1- تحديد جهة الصراع من جانب.
2- تحديد الموقف العقدي من هذا الواقع.
3- تحديد ما هو المطلوب منا فعله وعمله.

والآيات هنا أرادت من المسلمين النظرة المستقبلية والتحضير لها ونقلتهم من قصور النظر إلى عمومه (النظرة العالمية) ومن نظرة صراع قريش إلى نظرة الصراع الدولي ... يالله أي أمر يريده الله للمسلمين، وهم على حالتهم تلك إنها عظمة الإسلام!!


ثالثا: إن عملية التحليل والفهم السياسي للأحداث المبني على ربط الواقع بالمعلومات السياسية وحدها، أي مجرد التحليل السياسي والفهم للوقائع السياسية قد يتفق فيه وعليه اليمين واليسار؛ لأنه بحث عقلي ودراسة واقع لا تختلف فيه عقول البشر، لكن الذي يميز دراسة الإسلام للأحداث السياسية هو ربطها بالعقيدة الإسلامية أي إنزال الأحكام الشرعية التي انبثقت عن العقيدة المتعلقة بهذا الواقع قبولا له أو رفضًا، وهو ما يسمى بالوعي، الوعي السياسي لا يعني الوعي على الأوضاع السياسية، أو على الموقف الدولي، أو على الحوادث السياسية، أو تتبع السياسة الدولية، والأعمال السياسية، وإن كان ذلك من مستلزمات كماله. وإنما الوعي السياسي هو النظرة إلى العالم من زاوية خاصة، وهي بالنسبة لنا من زاوية العقيدة الإسلامية، زاوية: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»، هذا هو الوعي السياسي. فالنظرة إلى العالم من غير زاوية خاصة تعتبر سطحية، وليس وعيًا سياسيًا. والنظرة إلى المجال المحلي أو المجال الإقليمي تفاهة، وليس وعيًا سياسيًا، ولا يتم الوعي السياسي إلا إذا توفر له عنصران: أن تكون النظرة إلى العالم كله، وأن تنطلق هذه النظرة من زاوية خاصة محددة، أيًا كانت هذه الزاوية، سواء أكانت مبدأ معينًا، أو فكرة معينة، أو مصلحة معينة، أو غير ذلك.
هذا من حيث واقع الوعي السياسي كما هو، وبالطبع هو بالنسبة للمسلم من زاوية معينة هي العقيدة الإسلامية. هذا هو الوعي السياسي ولتوضيح الأمر نضرب له مثلا الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الزاوية الخاصة التي ينظر منها إلى العالم هي نشر الدعوة، فلأن قريشًا كانت هي الدولة الكبرى في الجزيرة، وكانت هي رأس الكفر في الوقوف في وجه الدعوة، فإنه والرسول صلى الله عليه وسلم كانت الزاوية الخاصة التي ينظر منها إلى العالم هي نشر الدعوة، فلأن قريشًا كانت هي الدولة الكبرى في الجزيرة، وكانت هي رأس الكفر في الوقوف في وجه الدعوة، فإنه وضع نصب عينيه حصر الأعمال السياسية والأعمال الحربية فيها، فكان يرسل العيون لترصدها، ويتعرض لتجارتها، ويشتبك معها في معارك الحرب، وكان يكتفي من باقي الدول أي القبائل بالوقوف متفرجين، أو كما يقولون بالوقوف على الحياد. فأعماله السياسية والعسكرية كانت تصدر عن النظرة إلى العالم من زاوية خاصة. ثُم قال تعالى: (.... وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) يفرح المسلمون بالغلبة على فارس والروم وقد نسب الله الفرح إلى المؤمنين؛ لأن الموقف موقف تصديق حتمي وبوعد الله برغم ما هم فيه من ضعف وشدة، وجميع وقائع الأحداث كأنها تكذّب الخبر، وتثبت خلافه مع شدة وتكالب الكفر على الإسلام وأهله، وكأن الأحداث تقول: إن الإسلام إلى زوال وأن الكفر حسم القضية، ولكن المؤمن يصدق بوعد الله تصديقًا جازمًا لا شك فيه فهذا الصدّيق "أبوبكر" رضي الله عنه وأرضاه راهن قريشًا على صدق الخبر، وصدق المخبر، وصدق الناقل، ونحن نراهن الكفر كله وأدواته وعملاءه والمرجفين والمنافقين، كما راهن سيدنا أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، وكلنا ثقة بجميل وعد الله بنصر قريب؛ لتعود الأمة كما كانت، وتعود دولة الإسلام الدولة الأولى بلا منازع.

رابعا: إن هذه النظرة هي نظرة إيمانية، وليست طوبائية، ونحن في الوقت الذي نصارع فيه أدوات الكفر وعملاءه في بلاد المسلمين ترنو عيوننا إلى مركز القيادة العالمية، والصدارة ومركز الدولة الأولى عالميًا؛ لتعود دولة الإسلام كما كانت دولة صدق وعدل ورحمة البشرية دولة خلاقة راشدة على منهاج النبوة، إنها دولة الفجر الصادق التي تنشر النور بعد أن امتلأت الأرض ظلمًا.


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير / ولاية الأردن الأستاذ حسن حمدان

 

     
03 من صـفر 1438
الموافق  2016/11/03م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد