13 من ذي القعدة 1445    الموافق   May 2, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




همسات
الثقة بالله تعالى وتحريك الجيوش طريق النصر والتمكين


لقد قررت وزارة الأوقاف في الأردن تحديد خطبة الجمعة الموحدة ليوم الجمعة الموافق 2017/07/28 تحت عنوان الثقة بالله تعالى طريق النصر والتمكين، ولنا مع هذه الخطبة وقفات نذكر منها وبالله التوفيق:

أولا إن الثقة بالله تعالى ثقة مطلقة لا يقترب منها شك ولا يأس، ولا قنوط كيف ييأس المسلم والله تعالى هو العظيم القادر الجبار المنتقم؟ (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ). فاليأس والقنوط لا يعرفان طريقا لقلب المؤمن قال الله تعالى: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ).
قال ابن عطية: "اليأْس من رحمة الله وتفريجه، من صفة الكافرين".

أ-: لقد ورد في خطبة الأوقاف تضليلٌ مقصودٌ. كيف لا يقصد هذا التضليل، وهي تكتب لغاية معينة يراد منها تضليل المسلمين وقد ورد هذا التضليل المقصود في الخطبة فيما يلي:


أولا: إن الثقة بوعد الله لا يقابلها الأمل، وإنما يقابلها العمل. والإيمان والعمل متلازمان لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)
وقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). والحديث في مشروع الخطبة هو عن واقع المسلمين، وما يعانونه من الكفر وأنظمة الحكم في بلاد المسلمين، والأوقاف لا تريد منهم العمل للتغيير، أو الحركة بل ربطت الثقة مع الأمل أي الانتظار. فأين العمل وأين دور الأحكام الشرعية التي جاءت تفرض على المسلمين العمل؟ أم يراد تعطيلها، وجعل المسلمين ينتظرون بحجة الأمل.


ب- إن الثقة بالله وقدرته لا تعني عدم الأخذ بالأسباب، بل إن الإيمان فرض علينا الأخذ بالأسباب، أي بالعمل.
صحيح أن النصر بيد الله، وهذه عقيدة عند المسلمين، إلا أن الله فرض علينا الأخذ بالأسباب، وإعداد العدة، وتحريك الجيوش، وليس فقط أن نقف عند الثقة والأمل، وهذا الأمر معلوم من الدين بالضرورة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعد العدة، وأخذ بالأسباب، وجهز الجيش، وتحرك لملاقاة العدو، ثم رفع يديه مؤمنًا واثقًا بوعد الله قائلًا: "اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض بعد اليوم". أما أن يقتصر على الثقة والأمل دون الأخذ بالأسباب، فهذا تضليل للمسلمين، وتخذيل عن العمل مقصود، وهو أنهم لا يريدون للأمة أن تتحرك.


ثانيا: كيف لكم أن تطلبوا من الله نصرًا وعزة، وأنتم تعطلون شرع الله؟ إلا يوجد عند هذه الأنظمة ومن لحق بها ثقة بشرع الله؟ أم أن الثقة بتشريع البشر أقوى عندهم والله تعالى يقول: (إن الحكم إلا لله)؟


ألا تستحون من الله وأنتم تريدون نصرًا دون عمل؟ لا بل إن عملكم هو لحرب أحكام الله وشرعه، ومحاربة حملة الدعوة للإسلام؟ ألا تستحيون من الله وأنتم تريدون نصرًا على طبق من ذهب دون عمل؟ فالرزق بيد الله إلا أن الله فرض علينا العمل لطلب الرزق، فالسماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة, كذلك النصر فالله لا ينزل ملائكة تقاتل عنا، فهذا طلب يهود: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ). أما الموقف الذي يريده الله فهو ما قاله الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ورد في السيرة:

قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه، حتى تبلغه ...

فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله إيانا تريد؟ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب، ما سلكتها قط ولا لي بها علم، ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك، ولا نكون كالذين قالوا لموسى: (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون).


فما تطلبونه هو فعل يهود عليهم لعائن الله. قال الله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ). فالملائكة تنزل لمن حضر المعركة، وليس لحبيس المحراب بلا عمل، والملائكة لا تقاتل عنا وإنما معنا، فأين أنتم من هذه الآيات القاطعة في وجوب العمل وإعداد العدة والأخذ بالأسباب؟


أيها الخطباء الأكارم:
أيها المسلمون:

إن من يتلو آيات النصر والتمكين ويقول بأن النصر من عند الله، لا يدع نظامه يركن إلى يهود، ولا إلى الغرب الكافر والشرعة الدولية، يستجدي منهم العون والتمكين ورفع الظلم، بل يعمل على شروط الوعد بالنصر والتمكين، فيطبق شرع الله، ويعد جيشه بأفضل قوة، لقتال أعداء الأمة، وينتصر لأبناء أمته إذا أريقت دماؤهم، ولا يلقي بالمودة لأعدائها, ولا يتولاهم وهم العدو، ويعمل لنصرتهم وتربيتهم على الجهاد في سبيل الله بتدريبهم أرقى تدريب كمًّا ونوعًا, وبث روح التضحية في سبيل الله في نفوسهم، ومن ثم الدعاء والابتهال إلى الله بأن يمن الله عليهم بالنصر، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، لا أن نركن فقط إلى الإيمان والثقة بالله, والدعاء إلى الله على الأعداء من على المنابر, فالله يعلم أن أعداءه لا يعجزونه، ولكن النصر مشروط بالتكليف الرباني، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).


إن جيوش المسلمين هم أبناؤكم الذين أبعدتهم الأنظمة عن دورهم الحقيقي, وهو الانتصار لله، والذود عن بلاد المسلمين، وقتال أعداء الأمة لا حماية الأنظمة الحاكمة، ولا موالاة الكفار والقتال ضمن تحالفاتهم في الحرب على الإسلام والمسلمين، والأصل في الأمة وعلمائها مخاطبتهم بهذا الواجب والتكليف، فما زال في جيوش الأمة الإسلامية خير كثير، والأمة تتطلع إليه ليطَّلع بدوره الذي يرتضيه الله له، وفي طاعته ونصرته لأمته ومع أمته، قال تعالى: (إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قدير).


 

     
04 من ذي القعدة 1438
الموافق  2017/07/27م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد