7 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 26, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




همسات
يوم عاشوراء يذكرنا بانتقام الله من الظالمين وهلاكهم
وانتصار حملة الدعوة

لما نجّى الله موسى عليه السلام، وأغرق فرعون- عليه لعائن الله - صام موسى عليه السلام يومَ العاشر من محرم شكرًا لله على نعمته بنجاته ومن آمن معه، وإغراق الله فرعونَ وقومه، صامه موسى عليه السلام وبقي صومه حتى مجيء الإسلام حيث كان يصومه أهل الكتاب، فكانت قريشٌ تصومه في جاهليتها، وكان النبي يصومه معهم. قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه)). متفق عليه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ مهاجرًا، وجد يهود يصومون اليوم العاشر من هذا الشهر فسألهم: ما سبب الصيام؟ قالوا: يومٌ أنجى الله فيه موسى ومن معه، وأغرق فرعونَ ومن معه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصوم، قال لهم النبي: ((نحن أحق وأولى بموسى منكم)).


فصام النبي صلى الله عليه وسلم تسعَ سنين، صامَ عاشوراء، وفي العام الأخير قال: ((لئن عشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسعَ)) وقال أبو قَتادَة: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((صيام يوم عاشوراء أحتسبُ على الله أن يكفِّر سنة ماضية)). كلنا يعلم قصة سيدنا موسى مع فرعون عصره، وما أكثر الفراعنة هذه الأيام!! لقد جاء يدعو إلى دين الله دين الحق مخاطبًا لهم بلين الكلمة، والموعظة الجميلة حيث قال تعالى: (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ). ولقد قص الله في كتابه العزيز ما دار بينهم من حوار فقال فرعون: (قال فرعونُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)؟ قال موسى: (قال رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ). التفت فرعون لمن حوله وقال هازئا: (أَلَا تَسْتَمِعُونَ)؟ فرد عليه موسى عليه السلام: (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ). قال فرعون مخاطبًا من جاءوا مع موسى من بني إسرائيل: (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ). فرد سيدنا موسى: (قال رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ).


بعد هذه الحوار بالدليل الدامغ يتخذ فرعون قراره بعيدًا عن ردِّ سيدنا موسى عليه السلام أثناء الحوار: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ). ثم يأتيه موسى عليه السلام بالأدلة والمعجزات الدالات القاطعات على صدق النبوة، وليتها كانت دليلًا، بل أدلة قاطعات محكمات فما كان منه إلا أن اتخذ قراره بعد أن أسقط في يديه حيث آمن السحرة كلهم أجمعون حيث قال تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُون) التهمة جاهزة، دعوة غير مرخصة (جمعية غير مشروعة، حزب غير مرخص) خارجة عن قانون فرعون، وطواغيت اليوم، وكأن دعوة الحق تحتاج من الطاغوت أذنا وموافقة!


ثم اتخذ القرار: (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ). وبعدها يتم تشكيل محكمة صورية شكلية ينطق بما اتخذ فرعون من قرار، يا له من مشهد يتكرر، اليوم اتخذت الأجهزة الأمنية قرارها، ثم تحوّل حملة الدعوة إلى محاكم أمن الدولة؛ لتنطق بالقرار الذي جاءهم مغلفًا ثم يقولون: بنزاهة القضاء، واستقلالية القضاء، وسلطة القضاء، وهم أصحاب القرار، وما القاضي إلا ناطق بالإثم والجريمة، يبوء بغضب من الله فويل له ويل له.
وليت الأمر يقف عند هذا الحد عند فرعون، بل يستجمع قواه وجيشه، ويلحق بالمؤمنين، ظنًا منه أنه قادر على قتل الدعوة بقتل حملتها، ويقف مع فرعون بطانته الفاسدة المرتبطة به وجودًا وعدمًا. (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ.)


ثم جاء الأمر من الله لموسى عليه السلام؛ لأن مراحل الدعوة ليست ارتجالية، بل بوحي من الله تلتزم بطريق واضح معلوم. (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ،فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ،إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ،وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ،وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ...) وأمام شدة الموقف الذي يحتاج من حملة الدعوة إلى الثبات والتحدي والقوة، وليس الضعف والتنازلات والتراجع، يخاطب سيدنا موسى قومه قائلًا لهم: (‏قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ‏) أي‏:‏ إذا هموا همَّ بأذيتكم، والفتك بكم، فاستعينوا أنتم بربكم، واصبروا على بليتكم‏.‏


فقال له قومه:‏ ‏(‏قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا‏) هذه الأنظمة كانت تقتلنا، وتقتل أبناءنا من قبل، وكانوا يقتلون لغير سبب؛ لأن هذه الأنظمة لا تعرف إلا القتل والسجن، فلماذا لا نموت في سبيل غاية شريفة وسامية لرضوان الله؟؟
ثم يخرج موسى ومن آمن معه في مشهد رهيب يقصه رب العالمين على المؤمنين وحملة الدعوة حيث قال: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)


هذه هي نهاية فرعون!! وهي نهاية كل طواغيت الأرض، وبطانتهم ومحاكمهم وقضاتهم. إنه اليوم الموعود نصر حملة الدعوة بعد الالتزام بأمر الله والثبات عليه، والتحدي والكفاح السياسي، ونطق كلمة الحق لا يخشون في الله لومة لائم، عندما يستشعر حملة الدعوة والأمة أنهم (مدركون) بعد كل ما قدموه من تضحيات البحر أمامهم، وفرعون وجيشه خلفهم لا سبيل للخلاص، لكنها دعوة الله، وهو كتب لها النصر والتمكين، والعلو في الأرض (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).


إن يوم عاشوراء ليس يومًا عاديًا، ولا قصة وليس مجرد صوم - ومن السنة صيامه - إنما هو يوم الانتقام من أنظمة الإجرام، وطواغيت العصر، ومن معهم (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ). إنه يوم يرى فيه المؤمنون كيف يفعل الله بهذه الأنظمة وأجهزتها الأمنية، ومحاكمها، وقضاتها، وكل من وقف مع فرعون الأمس واليوم.


تحاكم الأنظمة المجرمة شباب الأمة (شباب حزب التحرير) كما حاكم فرعون موسى ودعوة الحق بمحاكم النظام التي تنطق بما يريدون، وليس من ذنب لهم إلا أن قالوا: ربنا الله هذه، جريمتهم عند فراعنة العصر اليوم تحت مسميات في قانونهم: "جمعية غير مشروعة، تقويض نظام الحكم" كما اُتهِم حملةُ الدعوة والأنبياء بالعمل غير المرخص، وتقويض أنظمة فرعون، لكنها لكم اليوم في آخر مرة من مراحل وجودكم، فالدعوة ورجالها يؤمنون بالله تعالى بحتمية النصر برغم كل أحكامكم، فلن تهلك هذه الدعوة ورجالها بإذن الله لأن معها رب العالمين (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ( 61 ) قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ستسير هذه الدعوة إلى بر الأمان وتحقيق الغاية باستئناف الحياة الإسلامية من جديد بعودة الخلافة التي على منهاج النبوة، وسيأتي اليوم الذي نشهد فيه هلاكهم قريبًا بإذن الله تعالى ويتحقق وعد الله على أيدينا، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله بهلاككم في الدنيا فضلًا عن عذاب في الآخرة شديد.

 

     
08 من محرم 1439
الموافق  2017/09/28م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد