الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فقد نشرت وزارة الأوقاف خطبة الجمعة الموحدة لتاريخ 6/9/2019 بعنوان" فضل شهر الله المحرم ويوم عاشوراء" ولنا وقفات مع هذه الخطبة :
أولاً : يتزامن يوم عاشوراء مع مناسبة أخرى وهي هجرة الرسول والصحابة من دار الكفر إلى دار الإسلام ببناء دولة الإسلام التي بها أصبح للإسلام كيان يمثله ويطبق شريعته. وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت نصراً من الله سبحانه وتعالى كما هو يوم عاشوراء حيث نجى الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى من فرعون -الطاغوت- الذي حارب أفكار الإسلام ، فنصر الله سبحانه وتعالى رسولَه موسى كما نصر سيدنا محمد، وهذه سنّةٌ قد كتبها الله سبحانه وتعالى أن النصر يكون للمؤمنين، يقول عز وجل : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ).
ومن العبر التي تؤخذ من يوم عاشوراء ومن نجاة موسى أن على المؤمن أن يكون واثقاً بنصر الله..
صحيحٌ أن الكافر المستعمر يسيطر على بلادنا ومقدراتنا، لكن هذا يجب أن يكون دافعاً إلى العمل لاجتثاثه من بلادنا لا إلى اليأس؛ لنَخرج من هيمنة الكفار علينا، فكلما زادت الشدة اقترب النصر فها هو سيدنا موسى عليه السلام أصبح بين البحر المُغرِق وبين فرعون الطاغية، ولكن إيمانه كان كالجبل الثابت حيث قال : (قَالَ كَلَّاۤۖ إِنَّ معيَ رَبِّی سَیَهۡدِینِ) فجاءه نصر الله عز وجل.
ثانياً: يقول تعالى : (ِإنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) لقد كان سيدنا موسى عليه السلام ثابتاً على أفكاره ومبادئه ولم يُغيّرها رغم طغيان فرعون ومن معه ولم يَردّه ذلك عن حمل رسالته.. وهكذا كان حال كل الأنبياء، يتحدون برسالة الله رغم معرفتهم للمشقة والتعب الذي سينالهم من هذه الطريق، وما بلال وخبّاب إلا مثالاً على ذلك.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً قدوة لهم ولنا، فعندما كان يفاوض على الدعوة وعُرض عليه المال والجاه والسلطان بغير الإسلام أجاب بتحدٍ ومبدئية: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يُظهره الله او أهلك دونه ،وهذا ما يجب أن يلتزم به حملة الدعوة، فهم لا يتغيرون بمطالب الواقع أو ما فُرض عليهم من ثقافات غربية، ولا يتنازلون عن دينهم في شيء.
ثالثاً: إن فضل هذا اليوم عظيم جداً عند الله سبحانه وتعالى ومستحب صيامه وعمل الخير فيه، ومن أهم الأعمال التي يجب أن يقوم بها المسلمون هي العمل لاستئناف الحياة الإسلامية والمطالبة بتطبيق شرعهم، فهذا العمل هو تاج الفروض، فبإيجاد دولة الإسلام تحل مشاكل الأمة من سيطرة الغرب عليهم ومن احتلال الكفار أجزاء من بلاد المسلمين، وتعمل الدولة على نصرة المستضعفين في بورما وكشمير وسوريا وفلسطين وفي كل مكان يوجد فيه رعايا لدولة الإسلام، وفي تطبيق النظام الاجتماعي الذي يحمي أعراض المسلمين، وفي تطبيق النظام الاقتصادي الذي يوزّع الثروات حسب نصوص الشرع، فلا يحتكر النفط وما شابهه من ملكيات عامة لفئة محددة من الناس بل هي لكل الناس، وغير هذا الكثير مما يدلل على أن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية هو تاج الفروض .
رابعا : إن مما يجب إدراكه أن قصص الأنبياء إنما هي أحداث حدثت لتُبين الصراع الحضاري بين الإسلام والكفر، وهذا الصراع الذي بدأ بوجود الاسلام ولن ينتهي إلا بانتهاء هذه الدنيا، وأنّ على المسلمين أن يعوا حقيقة هذا الصراع، وأن يتخذوا موقف أهل الحق لا أهل الباطل، وأن يكون لهم دور في هذا الصراع يمثل هويتهم الحضارية لا أن يتخذوا موقف الركون إلى الراحة في الدنيا، فعندما أمر الله سيدنا موسى بالذهاب لفرعون أجاب ربه بأن يشرح صدره وييسر أمره، واتخذ موقفًا يُمثل ما آمن به..
فيا أيها المسلمون... علينا أن نتخذ هذا الموقف العظيم من قضايا أمتنا وأن نبحث عن الحلول لمشاكلنا لكي نعز ونرقى كما كنا أعز أمة وأرقى حضارة بإذن الله وما ذلك على الله بعزيز .
والحمد لله رب العالمين
|